وحكى الأخفش عن قوم من العرب أن لغتهم صرف كل ما لا ينصرف إلا أفعل من وصرف سلاسلا ثابت في مصاحف المدينة ومكة والكوفة والبصرة وفي مصحف أبي وعبد الله بن مسعود وروى هشام عن ابن عامر سلاسل في الوصل وسلاسلا بألف دون تنوين في الوقف.
* (إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) * * (إن الأبرار) * شروع في بيان حسن حال الشاكرين إثر بيان حال سوء الكافرين وإيرادهم بعنوان البر للإشعار بما استحقوا به ما نالوه من الكرامة السنية مع تجديد صفة مدح لهم والابرار جمع بر كرب وأرباب أو بار كشاهد وأشهاد بناء على أن فاعلا يجمع على أفعال والبر المطيع المتوسع في فعل الخير وقيل من يؤدي حق الله تعالى ويوفي بالنذر وعن الحسن وهو الذي لا يؤذي الذر ولا يرضي الشر * (يشربون) * في الآخرة * (من كأس) * هي كما قال الزجاج الإناء إذا كان فيه الشراب فإذا لم يكن لم يسم كأسا وقال الراغب الكأس الإناء بما فيه من الشراب ويسمى كل واحد منهما بانفراده كأسا والمشهور أنها تطلق حقيقة على الزجاجة إذا كانت فيها خمر ومجازا على الخمر بعلاقة المجاورة والمراد بها ههنا قيل الخمر فمن تبعيضية أو بيانية وقيل الزجاجة التي فيها الخمر فمن ابتدائية وقوله تعالى: * (كان مزاجها كافورا) * أظهر ملاءمة للأول والظاهر أن هذا على منوال كان الله عليما حكيما والمجيء بالفعل للتحقيق والدوام وقيل كان تامة من قوله تعالى كن فيكون والمزاج ما يمزج به كالحزام لما يحزم به فهو اسم آلة وكافور على ما قال الكلبي علم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور وعرفه وبرده وصرف لتوافق الآي والكلام على حذف مضاف أي ماء كافور والجملة صفة كأس وهذا القول خلاف الظاهر ولعله إن لم يصح فيه خبر لا يقبل وقرأ عبد الله قافورا بالقاف بدل الكاف وهما كثيرا ما يتعاقبان في الكلمة كقولهم عربي قح وكح وقوله تعالى:
* (عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) * * (عينا) * بدل من كافور وقال قتادة يمزج لهم بالكافور ويختم لهم بالمسك وذلك لبرودة الكافور وبياضه وطيب رائحته فالكافور بمعناه المعروف وقيل أن خمر الجنة قد أودعها الله تعالى إذ خلقها أوصاف الكافور الممدوحة فكونه مزاجا مجاز في الاتصاف بذلك فعينا على هذين القولين بدل من محل كأس على تقدير مضاف أي يشربون خمرا خمر عين أو نصب على الاختصاص بإضمار أعني أو أخص كما قال المبرد وقيل على الحال من ضمير مزاجها وقيل من كأس وساغ لوصفه وأريد بذلك وصفها بالكثرة والصفاء وقيل منصوب بفعل يفسره ما بعد أعني قوله تعالى: * (يشرب بها عباد الله) * على تقدير مضاف أيضا أي يشربون ماء عين يشرب بها الخ وتعقب بأن الجملة صفة عينا فلا يعمل فعلها بها وما لا يعمل لا يفسر عاملا وأجيب بمنع كونها صفة على هذا الوجه والتركيب عليه نحو رجلا ضربته نعم هي صفة عين على غير هذا الوجه والباء للإلصاق وليست للتعدية وهي متعلقة معنى بمحذوف أي يشرب الخمر ممزوجة بها أي بالعين عباد الله وهو كما تقول شربت الماء بالعسل هذا إذا جعل * (كافور) * علم عين في الجنة وأما على القولين الآخرين فقيل وجه الباء أن يجعل الكلام من باب: * (شع يجرح في عراقيبها نصلي لإفادة المبالغة وقيل الباء للتعدية وضمن يشرب معنى يروي فعدى بها وقيل هي بمعنى من وقيل هي زائدة والمعنى يشربها كما في قول الهذلي: شربن بماء البحر ثم ترفعت * متى لحج خضر لهن نئيج ويعضد هذا قراءة ابن أبي عبلة يشربها وقيل ضمير بها للكاس والمعنى يشربون العين بتلك الكأس وعليه يجوز أن يكون عينا مفعولا ليشرب مقدما عليه وعباد الله المؤمنين أهل الجنة * (يفجرونها تفجيرا) * صفة أخرى لعينا أي يجرونها حيث شاؤا من منازلهم إجراء سهلا لا يمتنع عليهم على