من تحت العرش من جنة عدن تتسلسل إلى الجنان وفي " البحر " الظاهر أن هذه العين تسمى سلسبيلا بمعنى توصف بأنها سلسلة في الانسياغ سهلة في المذاق ولا يحمل سلسبيل على أنه اسم حقيقة لأنه إذ ذاك كان ممنوع الصرف للتأنيث والعلمية وقد روي عن طلحة أنه قرأه بغير ألف جعله علما لها فإن كان علما فوجه قراءة الجمهور بالتنوين المناسبة للفواصل كما قيل في سلاسلا وقواريرا وزعم الزمخشري أن الباء زيدت فيه حتى صارت الكلمة خماسية فإن عنى أنها زيدت حقيقة فليس بجيد لأن الباء ليست من حروف الزيادة المعهودة وإن عنى أنها حرف جاء في سنح الكلمة وليس في سلسل ولا في سلسال صح ويكون مما اتفق معناه وكان مختلفا في المادة انتهى وفي " الكشف " لا يريد الزيادة المصطلحة ألا ترى إلى قوله حتى صارت خماسية وهو أيضا من الاشتقاق الأكبر فلا تغفل وقال بعض المعربين سلسبيلا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ولامته بسؤال السبيل إليها وعزوه إلى علي كرم الله تعالى وجهه وهو غير مستقيم بظاهره إلا أن يراد أن جملة قول القائل سلسبيلا جعلت اسما للعين كما قيل تأبط شرا وذرى حبا وسميت بذلك لأنه لا يشرب منها إلا من سأل إليها سبيلا بالعمل الصالح وهو مع استقامته في العربية تكلف وابتداع وعزوه إلى مثل الأمير كرم الله تعالى وجهه أبدع ونص بعضهم على أنه افتراء عليه كرم الله تعالى وجهه وفي شعر ابن مطران الشاشي: سلسبيلا فيها إلى راحة النفس * براح كأنها سلسبيل وفيه الجناس الملفق واستعمله غير واحد من المحدثين.
* (ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا) * * (ويطوف عليهم) * أي للخدمة * (ولدان مخلدون) * أي دائمون على ما هم فيه من الطراوة والبهاء وقيل مقرطون بخلدة وهي ضرب من القرطة وجاء في حديث أخرجه ابن مردويه عن أنس مرفوعا أنهم ألف خادم وفي بعض الآثار أضعاف ذلك. والجود أعظم والمواهب أوسع ويختلف ذلك قلة وكثرة باختلاف أعمال المخدومين * (إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا) * لحسنهم وصفاء ألوانهم وإشراق وجوههم وانبثاثهم في مجالسهم ومنازلهم وانعكاس أشعة بعضهم إلى بعض وقيل شبهوا باللؤلؤ الرطب إذا نثر من صدفه لأنه أحسن وأكثر ماء وعليه هو من تشبيه المفرد لأن الانبثاث غير ملحوظ والخطاب في رأيتهم للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل واقف عليه وكذا في قوله تعالى:
* (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا) * * (وإذا رأيت ثم) * أي هناك يعني في الجنة وهو في موضع النصب على الظرف ورأيت منزل منزلة اللازم فيفيد العموم في المقام الخطابي فالمعنى أن بصرك أينما وقع في الجنة * (رأيت نعيما وملكا كبيرا) * عظيم القدر لا تحيط به عبارة وهو يشمل المحسوس والمعقول وقال عبد الله بن عمرو الكلبي عريضا واسعا يبصر أدناهم منزلة في الجنة في ملك مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه وذلك لما يعطى من حدة النظر أو هو من خصائص الجنة وقال مجاهد: هو استئذان الملائكة عليهم السلام فلا يدخلون عليهم إلا بإذن وقال الترمذي: وأظنه كما ظن أبو حيان الحكيم لا أبا عيسى المحدث صاحب الجامع هو ملك التكوين والمشيئة إذا أرادوا شيئا كان وقيل هو النظر إلى الله عز وجل وقيل غير ذلك وقيل الملك الدائم الذي لا زوال له وزعم الفراء أن المعنى * (وإذا رأيت ما ثم رأيت) * الخ وخرج على أنه أراد أن ثم ظرف لمحذوف وقع صلة لموصول محذوف هو مفعول رأيت والتقدير * (وإذا رأيت ما ثم رأيت نعيما) * الخ فحذف ما كما حذف في قوله تعالى: * (لقد تقطع بينكم) * أي ما بينكم وتعقبه الزجاج ثم الزمخشري بأنه خطأ لأنه لا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة وأنت تعلم أن الكوفيين يجيزون ذلك ومنه قوله: فمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء أراد ومن يمدحه فحذف الموصول وأبقى صلته وقد يقال أن ذلك إنما يرد لو أراد أن الموصول مقدر أما لو أراد المعنى وأن الظرف يغني غناء المفعول به فهو كلام صحيح لأن الظرف والمرئي كليهما الجنة وقرأ حميد الأعرج ثم بضم