تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٢٨
والمنقري كلاهما عن أبي عمرو * (يزد. ويؤته) * بالياء فيهما، وقرأ سلام * (نؤته) * بضم الهاء وهي لغة أهل الحجاز وقد جاء في الآية فعل الشرط ماضيا والجواب مضارعا مجزوما قال أبو حيان: ولا نعلم خلافا في جواز الجزم في مثل ذلك وأنه فصيح مختار مطلقا إلا ما ذكره صاحب كتاب الإعراب أبو الحكم بن عذرة عن بعض النحويين أنه لا يجيء في الفصيح إلا إذا كان فعل الشرط كان، وإنما يجيء معها لأنها أصل الأفعال ونص كلام سيبويه والجماعة أنه لا يختص بكان بل سائر الأفعال مثلها في ذلك وأنشد سيبويه للفرزدق: دست رسولا بأن القوم إن قدروا * عليك يشفوا صدورا ذات توغير وقال أيضا: تعش فإن عاهدتني لا تخونني * نكن مثل من ياذئب يصطحبان * (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم وإن الظ‍المين لهم عذاب أليم) *.
* (أم لهم شركاء) * في الكفر وهم الشياطين * (شرعوا لهم) * أي لهؤلاء الكفرة المعاصرين لك بالتسويل والتزيين * (من الدين ما لم يأذن به الله) * كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا. و * (أم) * منقطعة فيها معنى بل الإضرابية والهمزة التي للتقرير والتقريع والإضراب عما سبق من قوله تعالى: * (شرع لكم من الدين) * الخ فالعطف عليه وما اعترض به بين الآيتين من تتمة الأولى، وتأخير الأضراب ليدل على أنهم في شرع يخالف ما شرعه الله تعالى من كل وجه فالشرك في مقابلة إقامة الدين والاستقامة عليه وإنكار البعث في مقابلة قوله تعالى: * (والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق) * والعمل للدنيا لقوله سبحانه: * (من كان يريد حرث الآخرة) * وهذا أظهر من جعل الأضراب عما تقدم من قوله تعالى: * (كبر على المشركين) * كما لا يخفى، وقيل: شركاؤهم أصنامهم، وإضافتها إليهم لأنهم الذين جعلوها شركاء لله سبحانه، وإسناد الشرع إليها لأنها سبب ضلالتهم وافتتانهم كقوله تعالى: * (إنهن أضللن كثيرا) * وجوز أن يكون الاستفهام المقدر على هذا للانكار أي ليس لهم شرع ولا شارع كما في قوله تعالى: * (أم لهم ءلهة تمنعهم من دوننا) * وأيا ما كان فضمير * (شرعوا) * للشركاء وضمير * (لهم) * للكفار.
وجوز على تفسير الشركاء بالأصنام أن يكون الأول للكفار والثاني للشركاء أي شرع الكفار لأصنامهم ورسموا من المعتقدات والأحكام ما لم يأذن به الله تعالى كاعتقاد أنهم آلهة وأن عبادتهم تقربهم إلى الله سبحانه، وكجعل البحيرة والسائبة والوصيلة وغير ذلك، وهو كما ترى * (ولولا كلمة الفصل) * أي القضاء والحكم السابق منه تعالى بتأخير العذاب إلى يوم القيامة أو إلى آخر أعمالهم * (لقضي بينهم) * أي بين الكافرين والمؤمنين في الدنيا أو حين افترقوا بالعقاب والثواب، وجوز أن يكون المعنى لولا ما وعدهم الله تعالى به من الفصل في الآخرة لقضى بينهم فالفصل بمعنى البيان كما في قوله تعالى: * (هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين) * وقيل: ضمير بينهم للكفار وشركائهم بأي معنى كان * (وإن الظالمين) * وهم المحدث عنهم أو الأعم منهم ويدخلون دخولا أوليا * (لهم عذاب أليم) * في الآخرة. وفي " البحر " أي في الدنيا بالقتل والأسر والنهب وفي الآخرة بالنار.
وقرأ الأعرج. ومسلم بن جندب * (وأن) * بفتح الهمزة عطفا على * (كلمة الفصل) * أي لولا القضاء السابق بتأخير العذاب وتقدير أن الظالمين لهم عذاب أليم في الآخرة أو لولا العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة وتقدير أن الظالمين لهم الخ لقضي بينهم، والعطف على التقديرين تتميم للإيضاح لا تفسيري محض * (ترى الظالمين) * جملة مستأنفة لبيان ما قبل، والخطاب لكل أحد يصلح له للقصد إلى المبالغة في سوء حالهم أي ترى يا من يصح
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»