تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٢٣
الظلم والتجاوز والعداوة سبب له وهي الداعي للتفرق أو طلبا للدنيا والرياسة على أن البغي مصدر بغى بمعنى طلب * (ولولا كلمة سبقت من ربك) * هي عدته تعالى بترك معاجلتهم بالعذاب * (إلى أجل مسمى) * معلوم له سبحانه وهو يوم القيامة أو آخر أعمارهم المقدرة لهم * (لقضي بينهم) * باستئصال المبطلين حين افترقوا لعظم ما اقترفوا * (وان الذين أورثوا الكتاب من بعدهم) * هم أهل الكتاب الذين كانوا في عهده صلى الله عليه وسلم وقرأ زيد ابن علي * (ورثوا) * مبنيا للمفعول مشددا لواو * (لفى شك منه) * أي من كتابهم فلم يؤمنوا به حق الإيمان * (مريب) * مقلق أو مدخل في الريبة، والجملة اعتراض يؤكد أن تفرقهم ذلك باق في أعقابهم منضما إليه الشك في كتابهم مع انتسابهم إليه فهو تفرقوا بعد العلم الحاصل لهم من النبي المبعوث إليهم المصدق لكتابهم وتفرقوا قبله شكا في كتابهم فلم يمنوا به ولم يصدقوا حقه.
* (فلذلك فادع واستقم كمآ أمرت ولا تتبع أهوآءهم وقل ءامنت بمآ أنزل الله من كت‍ابوأمرت لاعدل بينكم الله ربنا وربكم لنآ أعم‍النا ولكم أعم‍الكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير) *.
* (فلذالك) * أي إذا كان الأمر كما ذكر فلأجل ذلك التفرق ولما حدث بسببه من تشعب الكفر في الأمم السالفة شعبا * (فادع) * إلى الائتلاف والاتفاق على الملة الحنيفية القديمة * (واستقم كما أمرت) * أي أثبت على الدعاء كما أوحى إليك، وقيل: الإشارة إلى قوله تعالى: * (شرع لكم) * وما يتصل به ونقل عن الواحدي أي ولأجل ذلك من التوصية التي شوركت فيها مع نوح ومن بعده ولأجل ذلك الأمر بالإقامة والنهي عن التفرق فادع، وما ذكر أولى لأن قوله تعالى: * (أن أقيموا) * شمل النبي عليه الصلاة والسلام وأتباعه كما سمعت، ويدل عليه دكبر على مالشركين ما تدعوهم أليه) * (الشورى: 13) فقوله تعالى: * (فلذلك فادع) * (الشورى: 15) الخ لا يتسبب عنه لما يظهر من التكرار وهو تفرع الأمر عن الأمر، وأما تسببه عن تفرقهم فظاهر على معنى فلما أحدثوا من التفرق وأبدعوا فاثبت أنت على الدعاء الذي أمرت به واستقم وهذا ظاهر للمتأمل.
ومن الناس من جعل المشار إليه الشرع السابق ولم يدخل فيه الأمر بالإقامة لئلا يلزم التكرار أي فلأجل أنه شرع لهم الدين القويم القديم الحقيق بأن يتنافس فيه المتنافسون فادع، وقيل: هو الكتاب، وقيل: هو العلم المذكور في قوله تعالى: * (جاءهم العلم) * (الشورى: 14) وقيل: هو الشك ورجح بالقرب وليس بذاك، واللام على جميع الأقوال المذكورة للتعليل، وقيل: على بعضها هي بمعنى إلى صلة الدعاء فما بعدها هو المدعو إليه، وأنت تعلم أنه لا حاجة في إرادة ذلك إلى جعلها بمعنى إلى فإن الدعاء يتعدى بها أيضا كما في قوله: شع دعوت لما نابني مسورا ونقل ذلك عن الفراء والزجاج، وأيا ما كان فالفاء الأولى واقعة في جواب شرط مقدر كما أشرنا إليه والفاء الثانية مؤكدة للأولى، وقيل: كان الناس بعد الطوفان أمة واحدة موحدين فاختلف أبناؤهم بعد موتهم حين بعث الله تعالى النبيين مبشرين ومنذرين، وجعل ضمير * (تفرقوا) * لأخلاف أولئك الموحدين والذين أورثوا الكتاب باق على ما تقدم والأول أظهر. وقيل: * (ضمير) * تفرقوا لأهل الكتاب تفرقوا من بعد ما جاءهم العلم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم فهذا كقوله تعالى: * (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة) * (البينة: 4) وإنما تفرقوا حسدا له عليه الصلاة والسلام لالشبهة، والمراد بالذين أورثوا الكتاب من بعدهم مشركو مكة وأحزابهم لأنهم أورثوا القرآن فالكتاب القرآن وضمير منه له وقيل للرسول وهو خلاف الظاهر، واختار كون المتفرقين أهل الكتاب
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»