تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ٨٦
ويسمى في غير القرآن عطف التوهم، وذهب إلى هذا التخريج الزمخشري. وابن عطية، وابن الأنباري بعد أن ضعف تخريج الزجاج خرج القراءة على ما قال الفراء قال: وهذا كما تقول: خاصم عبد الله زيدا العاقلين بنصب العاقلين ورفعه لأن أحدهما إذا خاصم صاحبه فقد خاصم الآخر، وهذه المسألة لا تجوز عند البصريين ونقل جوازها عن محمد بن سعدان الكوفي قال: لأن كل واحد منهما فاعل مفعول * (ثم في النار يسجرون) * يحرقون ظاهرا وباطنا من سجر التنور إذا ملأه إيقادا ويكون بمعنى ملأه بالحطب ليحميه، ومنه السجير للصديق الخليل كأنه سجر بالحب أي ملىء، ويفهم من " القاموس " أن السجر من الأضداد، وكلا الاشتقاقين مناسب في السجير أي ملىء من حبك أو فرغ من غيرك إليك والأول أظهر.
والمراد بهذا وما قبله أنهم معذبون بأنواع العذاب سحبهم على وجوههم في النار الموقدة ثم تسليط النار على باطنهم وأنهم يعذبون ظاهرا وباطنا فلا استدراك في ذكر هذا بعد ما تقدم.
* (ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون * من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا كذلك يضل الله الك‍افرين) *.
* (ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون * من دون الله قالوا ضلوا عنا) * أي يقال لهم ويقولون، وصيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع، والسؤال للتوبيخ، وضلالهم عنهم بمعنى غيبتهم من ضلت دابته إذا لم يعرف مكانها، وهذا لا ينافي ما يشعر بأن آلهتهم مقرونون بهم في النار لأن للنار طبقات ولهم فيها مواقف فيجوز غيبتهم عنهم في بعضها واقترانهم بهم في بعض آخر، ويجوز أن يكون ضلالهم استعارة لعدم النفع فحضورهم كالعدم فذكر على حقيقته في موضع وعلى مجازه في آخر * (بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا) * أي بل تبين لنا اليوم إنا لم نكن نعبد في الدنيا شيئا يعتد به، وهو إضراب عن كون الآلهة الباطلة ليست بموجودة عندهم أو ليست بنافعة إلى أنها ليست شيئا يعتد به.
وفي ذلك اعتراف بخطئهم وندم على قبيح فعلهم حيث لا ينفع ذلك، وجعل الجلبي هذه الآية كقوله تعالى: * (والله ربنا ما كنا مشركين) * (الأنعام: 23) يفزعون إلى الكذب لحيرتهم واضطرابهم، ومعنى قوله تعالى: * (كذلك يضل الله الكافرين) * أنه تعالى يحيرهم في أمرهم حتى يفزعون إلى الكذب مع علمهم بأنه لا ينفعهم، ولعل ما تقدم هو المناسب للسياق.
ومعنى هذا مثل ذلك الإضلال يضل الله تعالى في الدنيا الكافرين حتى أنهم يدعون فيها ما يتبين لهم أنه ليس بشيء أو مثل ضلال آلهتهم عنهم في الآخرة نضلهم عن آلهتهم فيها حتى لو طلبوا الآلهة وطلبتهم لم يلق بعضهم بعضا أو مثل ذلك الضلال وعدم النفع يضل الله تعالى الكافرين حتى لا يهتدوا في الدنيا إلى ما ينفعهم في الآخرة، وفي المجمع كما أضل الله تعالى أعمال هؤلاء وأبطل ما كانوا يؤملونه كذلك يفعل بأعمال جميع من يتدين بالكفر فلا ينتفعون بشيء منها، فإضلال الكافرين على معنى إضلال أعمالهم أي إبطالها، ونقل ذلك عن الحسن، وقيل في معناه غير ذلك. [بم وقوله تعالى:
* (ذلكم بما كنتم تفرحون فى الارض بغير الحق وبما كنتم تمرحون) *.
* (ذلكم) * إشارة إلى المذكور من سحبهم في السلاسل والأغلال وتسجيرهم في النار وتوبيخهمب السؤال، وجوز على بعض الأوجه أن يكون إشارة إلى إضلال الله تعالى الكافرين، وإلى الأول ذهب ابن عطية أي ذلكم العذاب الذي أنتم فيه * (بما كنتم تفرحون في الأرض) * تبطرون وتأشرون كما
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»