المجيء بالصدق ليس وصفا للمؤمنين الأتباع كما لا يخفى، والموصول على هذا مفرد لفظا ومعنى، والجمع في قوله تعالى: * (أولئك هم المتقون) * باعتبار دخول الأتباع تبعا، ومراتب باعتبار دخول الأتباع تبعاف، ومراتب التقوى متفاوتة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلاها، وجوز أن يكون الموصول صفة لمحذوف أي الفوج الذي أو الفريق الذي الخ فيكون مفرد اللفظ مجموع المعنى فقيل: الكلام حينئذ على التوزيع لأن المجيء بالصدق على الحقيقة له عليه الصلاة والسلام والتصديق بما جاء به وان عمه وأتباعه صلى الله عليه وسلم لكنه فيهم أظهر فليحمل عليه للتقابل، وفي الكشف الأوجه أن لا يحمل على التوزيع غاية ما في الباب ان أحد الوصفين في أحد الموصوفين أظهر، وعليه يحمل كلام الزمخشري الموهم للتوزيع، وحمل بعضهم الموصول على الجنس فإن تعريفه كتعريف ذي اللام يكون للجنس والعهد، والمراد حينئذ به الرسل والمؤمنون.
وأيد إرادة ما ذكر بقراءة ابن مسعود * (والذين جاؤوا بالصدق وصدقوا به) * وزعم بعضهم أنه أريد والذين فحذفت النون كما في قوله: إن الذي حانت بفلج دماؤهم $ هم القوم كل القوم يا أم مالك وتعقبه أبو حيان بأنه ليس بصحيح لوجوب جمع الضمير في الصلة حينئذ كما في البيت ألا ترى أنه إذا حذفت النون من اللذان كان الضمير مثنى كقوله: إن الذي حانت بفلج دماؤهم * هم القوم كل القوم يا أم مالك وتعقبه أبو حيان بأنه ليس بصحيح لوجوب جمع الضمير في الصلة حينئذ كما في البيت ألا ترى أنه إذا حذفت النون من اللذان كان الضمير مثنى كقوله: أبني كليب ان عمى اللذا * قتلا وفككا الاغلالا وقال علية. وأبو العالية. والكلبي. وجماعة * (الذي جاء بالصدق) * هو الرسول صلى الله عليه وسلم والذي صدق به هو أبو بكر رضي الله تعالى عنه. وأخرج ذلك ابن جرير. والماوردي في معرفة الصحابة. وابن عساكر من طريق أسيد بن صفوان وله صحبة عن علي كرم الله تعالى وجهه، وقال أبو الأسود. ومجاهد في رواية. وجماعة من أهل البيت. وغيرهم: الذي صدق به هو علي كرم الله تعالى وجهه. وأخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عن السدى أنه قال: * (الذي جاء بالصدق) * جبريل عليه السلام * (وصدق به) * هو النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: وعلى الأقوال الثلاثة يقتضي اضمار الذي وهو غير جائز على الأصح عند النحاة من أنه لا يجوز حذف الموصول وإبقاء صلته مطلقا أي سواء عطف على موصول آخر أم لا.
ويضعفه أيضا الأخبار عنه بالجمع. وأجيب بأنه لا ضرورة إلى الاضمار ويراد بالذي الرسول صلى الله عليه وسلم والصديق أو علي كرم الله تعالى وجههما معا على أن الصلة للتوزيع، أو يراد بالذي جبريل عليه السلام والرسول صلى الله عليه وسلم معا كذلك، وضمير الجمع قد يرجع إلى الاثنين وقد أريدا بالذي، ولا يخفى ما ذلك من التكلف والله تعالى أعلم بحال الأخبار، ولعل ذكر أبي بكر مثلا على تقدير الصحة من الاقتصار على بعض أفراد العام لنكتة وهي في أبي بكر رضي الله تعالى عنه كونه أول من آمن وصدق من الرجال، وفي علي كرم الله تعالى وجهه كونه أول من آمن وصدق من الصبيان، ويقال نحو ذلك على تقدير صحة خبر السدى ولا يكاد يصح لقوله تعالى: فيما بعد * (ليكفر) * الخ، وبما ذكر يجمع بين الأخبار إن صحت ولا يعتبر في شيء منها الحصر فتدبر. وقرأ أبو صالح. وعكرمة بن سليمان * (وصدق به) * مخففا أي وصدق به الناس ولم يكذبهم به يعني أداه إليهم كما نزل عليه من غير تحريف فالمفعول محذوف لأن الكلام في القائم به الصدق وفي الحديث الصدق، والكلام على العموم دون خصوصه عليه الصلاة والسلام فإن جملة القرآن حفظه الصحابة عنه عليه الصلاة والسلام وأدوه كما أنزل، وقيل: المعنى وصار صادقا به أي بسببه لأن القرآن معجز والمعجز يدل على صدق النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا فالوصف خاص، وقد تجوز في ذلك باستعمال * (صدق) * بمعنى صار صادقا به ولا كناية فيه كما قيل؛ وقال أبو صالح: أي وعمل به وهو كما ترى.