وأما إذا كان قيدا للرزق فهو ظاهر الإباء، وكون المساكن رزقا للساكن فإذا اختلف العنوان لم يكن به بأس لا يدفع ما قرر كما لا يخفى على المنصف، وقوله تعالى: * (فواكه) * بدل من * (رزق) * بدل كل من كل، وفيه تنبيه على أنه مع تميزه بخواصه كله فواكه أو خبر مبتدأ محذوف والجملة مستأنفة أي ذلك الرزق فواكه والمراد بها ما يؤكل لمجرد التلذذ دون الاقتيات وجميع ما يأكله أهل الجنة كذلك حتى اللحم لكونهم مستغنين عن القوت لأحكام خلقتهم وعدم تحلل شيء من أبدانهم بالحرارة الغريزية ليحتاجوا إلى بدل يحصل من القوت، فالمراد بالفاكهة هنا غير ما أريد بها في قوله تعالى: * (وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير مما يشتهون) * (الواقعة: 20، 21) وهي هناك بالمعنى المعروف فلا منافاة. وجوز أن يكون عطف بيان للرزق المعلوم فوجه الاختصاص ما علم به من بين الأرزاق أنه فواكه، وقيل : هو بدل بعض من كل، وتخصيصها بالذكر لأنها من أتباع سائر الأطعمة فتدل على تحقق غيرها * (وهم مكرمون) * عند الله تعالى لا يلحقهم هوان وذلك أعظم المثوبات وأليقها بأولى الهمم، ولعل هذا إشارة إلى النعيم الروحاني بعد النعيم الجسماني الذي هو بواسطة الأكل.
وقيل مكرمون في نيل الرزق حيث يصل إليهم من غير كسب وكد وسؤال كما هو شأن أرزاق الدنيا.
وقرىء * (مكرمون) * بالتشديد.
* (فى جنات النعيم) *.
* (في جنات النعيم) * أي في جنات ليس فيها إلا النعيم على أن الإضافة على معنى لام الاختصاص المفيدة للحصر. والظرف متعلق بمكرمون أو بمعلوم أو بمحذوف حال من المستكن في * (مكرمون) * أو خبر ثان لأولئك أو * (لهم) * وقوله تعالى:
* (على سرر متقابلين) *.
* (على سرر) * يحتمل أن يكون حالا من المستكن في * (مكرمون) * أو في الظرف قبله وأن يكون خبرا فيكون قوله سبحانه: * (متقابلين) * حالا من المستكن في أو في * (مكرمون) * أو في الظرف أعني * (في جنات) * وأن يتعلق بمتقابلين فيكون حالا من المستكن في غيره.
وأشير بتقابلهم إلى استئناف بعضهم ببعض فبعضهم يقابل بعضا للاستئناف والمحادثة. وفي بعض الأحاديث أنه ترفع عنهم الستور أحيانا فينظر بعضهم إلى بعض، وقرأ أبو السمال * (سرر) * بفتح الراء وهي لغة بعض تميم وكلب يفتحون ما كان جمعا على فعل من المضعف إذا كان اسما، واختلف النحويون في الصفة فمنهم من قاسها على الاسم ففتح فيقول ذلل بفتح اللام على تلك اللغة. ومنهم من خص ذلك بالاسم وهو مورد السماع. [بم وقوله تعالى:
* (يطاف عليهم بكأس من معين) *.
* (يطاف عليهم) * إما استئناف لبيان ما يكون فهم في مجالس أنسهم أو حال من الضمير في * (متقابلين) * أو في أحد الجارين: وجوز كونه صفة لمكرمون. وفاعل الطواف على ما قيل من مات من أولاد المشركين قبل التكليف. ففي " الصحيح " أنهم خدم أهل الجنة. وقد صرح به في موضع آخر وهو قوله تعالى: * (يطوف عليهم ولدان مخلدون) * (الواقعة: 17) وقوله سبحانه: * (يطوف عليهم غلمان لهم) * (الطور: 24) * (بكأس) * أي بخمر كما روى عن ابن عباس. وأخرج ابن أبي شيبة. وابن جرير. وغيرهما عن الضحاك قال: كل كأس ذكره الله تعالى في القرآن إنما عني به الخمر. ونقل ذلك أيضا عن الحبر. والأخفش وهو مجاز مشهور بمنزلة الحقيقة. وعليه قول الأعشى: وكأس شربت على لذة * وأخرى تداويت منها بها ويدل على أنه أراد بها الخمر إطلاقا للمحل على الحال قوله شربت. وتقدير شربت ما فيها تكلف. والقرينة ههنا