تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٢٤
أخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم. وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس أنه قال في الآية؛ * (كل في فلك) * فلكة كفلكة المغزل يسبحون يدورون في أبواب السماء كما تدور الفلكة في المغزل. وأخرج الأخيران عن مجاهد أنه قال: لا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا تدور الفلكة إلا بالمغزل والنجوم في فلكة كفلكة المغزل فلا يدرن إلا بها ولا تدور إلا بهن. وفي الفتوحات المكية للشيخ الأكبر قدس سره جعل الله تعالى السموات ساكنة وخلق فيها سبحانه نجوما وجعل لها في عالم سيرها وسباحتها في هذه السموات حركات مقدرة لا تزيد ولا تنقص وجعلها عاقلة سامعة مطيعة وأوحى في كل سماء أمرها ثم أنه عز وجل لما جعل السباحة للنجوم في هذه السموات حدثت لسيرها طرق لكل كوكب طريق وهو قوله تعالى: * (والسماء ذات الحبك) * (الذاريات: 7) فسميت تلك الطرق أفلاكا فالأفلاك تحدث بحدوث سير الكواكب وهي سريعة السير في جرم السماء الذي هو مساحتها فتخرق الهواء المماس لها فيحدث لسيرها أصوات ونغمات مطربة لكون سيرها على وزن معلوم فتلك نغمات الأفلاك الحادثة من قطع الكواكب المسافات المساوية فهي تجري في هذه الطرق بعادة مستمرة قد علم بالرصد مقادير ودخول بعضها على بعض في السير وجعل سيرها للناظرين بين بطء وسرعة وجعل سبحانه لها تقدما وتأخرا في أماكن معلومة من السماء تعينها أجرام الكواكب لإضائتها دونها إلى آخر ما قال. وقال الإمام: إن الله تعالى قادر على أن يجعل الكوكب بحيث يشق السماء فيجعل دائرة متوهمة كما لو جرت سمكة في الماء على الاستدارة وهذا هو المفهوم من قوله تعالى: * (في فلك يسبحون) * والظاهر أن حركة الكوكب على هذا الوجه.
وأرباب الهيئة انكروا ذلك للزوم الخرق والالتئام ان انشق موضع الجري والتأم أو الخلاء ان انشق ولم يلتئم والكل محال عندهم وعندنا لا محالية في ذلك وما يلزم هنا الخرق والالتئام لأنه المفهوم من يسبحون ولا دليل لهم على الاستحالة فيما عدا المحدد وهو هناك شبهة ضعيفة لا دليل، وظاهر الآية أن كل واحد من من النيرين في فلك أي في محرى خاص به وهذا مما يشهد به الحس وذهب إلى نحوه فلاسفة الإسلام كغيرهم من الفلاسفة بيد أنه يقولون باتحاد الفلك والسماء ولما سمعوا عن قبلهم أن كلا من السبع السيارة في فلك وكل الكواكب الثوابت في فلك وفوق كل ذلك فلك يحرك الجميع من المشرق إلى المغرب ويسمى فلك الأفلاك لتحريكه إياها والفلك الأعظم لاحاطته بها والفلك الأطلس لأنه كاسمه غير مكوكب وسمعوا عن الشارع ذكر السموات السبع والكرسي والعرش أرادوا أن يطبقوا بين الأمرين فقالوا: السموات السبع في كلام الشارع هي الأفلاك السبعة في كلام الفلاسفة فلكل من السيارات سماء من السموات والكرسي هو فلك الثوابت والعرش هو الفلك المحرك للجميع المسمى بفلك الأفلاك وقد أخطؤوا في ذلك وخالفوا سلف الأمة فيه فالفلك غير السماء، وقوله تعالى مع ما هنا * (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا) * (نوح: 15، 16) لا يدل على الاتحاد لما قلنا من أن الكواكب في الفلك والفلك في السماء فيكون الكوكب فيها بلا شبهة فلا يحوج الجمع إلى القول بالعينية ولم يقم دليل على كرية العرش بل ظاهر ما ورد في الأخبار من أن له قوائم يدل على عدم الكرية، نعم ورد ما يدل بظاهره أنه مقبب وهذا شيء غير ما يزعمونه فيه وكذا الكرسي لم يدل دليل على كريته كما يزعمون ومع هذا ليس عندهم دليل تام على كون الثوابت كلها في فلك فيجوز أن تكون في أفلاك كممثلات كلها فوق زحل أو بعضها فوقه وبعضها بين أفلاك العلوية وهي لا تكسف
(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»