تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٨٢
وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتتابعن كلهن على ذلك فلما خيرهن واخترن الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام والدار الآخرة شكرهن الله جل شأنه على ذلك إذ قال سبحانه: * (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن) * (الأحزاب: 52) فقصره الله تعالى عليهن وهن التسع اللاتي اخترن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن سعد عن عمرو بن سعيد عن أبيه عن جده أنه صلى الله عليه وسلم خير نساءه فاخترن جميعا الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام غير العامرية اختارت قومها فكانت بعد تقول: أنا الشقية وكانت تلقط البعر وتبيعه وتستأذن على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: أنا الشقية.
وأخرج أيضا عن ابن جناح قال: اخترنه جميعا غير العامرية كانت ذاهبة العقل حتى ماتت. وجاء في بعض الروايات عن ابن جبير غير الحميرية وهي العامرية، وكان هذا التخيير كما روي عن عائشة. وأبي جعفر بعد أن هجرهن عليه الصلاة والسلام شهرا تسعة وعشرين يوما. وفي " البحر " أنه لما نصر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ورد عنه الأحزاب وفتح عليه النضير وقريظة ظن أزواجه عليه الصلاة والسلام أنه اختص بنفائس اليهود وذخائرهم فقعدن حوله وقلن: يا رسول الله بنات كسرى. وقيصر في الحلى والحلل والإماء والخول ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق وآلمن قلبه الشريف عليه الصلاة والسلام بمطالبتهن له بتوسعة الحال وأن يعاملهن بما تعامل به الملوك وأبناء الدنيا أزواجهم فأمره الله تعالى بأن يتلو عليهن ما نزل في أمرهن؛ وما أحسن موقع هذه الآيات على هذا بعد انتهاء قصة الأحزاب وبني قريظة كما لا يخفى، ويفهم من كلام الإمام أنها متعلقة بأول السورة؛ وذلك أن مكارم الأخلاق منحصرة في شيئين التعظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلقه عز وجل فبدأ سبحانه بإرشاد حبيبه عليه الصلاة والسلام إلى ما يتعلق بجانب التعظيم له تعالى فقال سبحانه: * (يا أيها النبي اتق الله) * (الأحزاب: 1) الخ ثم أرشده سبحانه إلى ما يتعلق بجانب الشفقة، وبدأ بالزوجات لأنهن أولى الناس بذلك، وقدم سبحانه الشرطية المذكورة على قوله تعالى:
* (وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الاخرة فإن الله أعد للمحسن‍ات منكن أجرا عظيما) *.
* (وإن كنتن تردن الله ورسوله) * الخ لأن سبب النزول ما سمعت.
وقال الإمام: إن التقديم إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم غير ملتفت إلى الدنيا ولذاتها غاية الالتفات، وذكر أن في وصف السراح بالجميل إشارة إلى ذلك أيضا، ومعنى * (إن كنتن تردن الله ورسوله) * إن كنتن تردن رسول الله وإنما ذكر الله عز وجل للإيذان بجلالة محله عليه الصلاة والسلام عنده تعالى: * (والدار الآخرة) * أي نعيمها الباقي الذي لا قدر عنده للدنيا وما فيها * (فإن الله أعد) * أي هيأ ويسر * (للمحسنات منكن) * بمقابلة إحسانهن * (أجرا) * لا تحصى كثرته * (عظيما) * لا تستقصى عظمته، و * (من) * للتبيين لأن كلهن كن محسنات.
وقيل: ويجوز فيه التبعيض على أن المحسنات المختارات لله ورسوله صلى الله عليه وسلم واختيار الجميع لم يعلم وقت النزول، وهو على ما قال الخفاجي عليه الرحمة بعيد، وجواب * (إن) * في الظاهر ما قرن بالفاء إلا أنه قيل الماضي فيه بمعنى المضارع الدال على الاستقبال والتعبير به دونه لتحقق الوقوع، وقيل: الجواب محذوف نحو تثبن أو تنلن خيرا وما ذكر دليله، وتجريد الشرطية الأولى عن الوعيد للمبالغة في تحقيق معنى
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 » »»