لبيان مواجب عقدي النكاح والإجارة في تلك الشريعة تفصيلا. وقول شعيب عليه السلام: * (إني أريد أن أنكحك) * (القصص: 27) الخ ظاهر في أنه عرض لرأيه على موسى عليه السلام واستدعاء منه للعقد لا إنشاء وتحقيق له بالفعل، ولم يجزم القائلون باتفاق الشريعتين في ذلك بكيفية ما وقع، فقيل لعلم النكاح جرى على معينة بمهر غير الخدمة المذكورة وهي إنما ذكرت على طريق المعاهدة لا المعاقدة فكأنه قال: أريد أن أنكحك إحدى ابنتي بمهر معين إذا أجرتني ثماني حجج بأجرة معلومة فما تقول في ذلك فرضي فعقد له على معينة منهما، فلا يريد أن الإبهام في المرأة المزوجة غير صحيح، وعلى الخدمة ومنافع الحر عندنا أيضا خصوصا إذا قيل: إن مدتها غير معينة وهي أيضا ليست للزوجة بل لأبيها فكيف صح كونها مهرا، وقيل: يجوز أن يكون جرى على معينة بمهر الخدمة المذكورة ولا فساد في جعل الرعية مهرا فإنه جائز عند الشافعي عليه الرحمة وكذا عند الحنفية كما يفهم من الهداية ونقل عن " صاحب المدارك " أنه قال: التزوج على رعي الغنم جائز بالإجماع لأنه قيام بأمر الزوجية لا خدمة صرفة، وفي دعوى الإجماع أن أريد به إجماع الأئمة مطلقا بحث، ففي " المحيط البرهاني " لو تزوجها على أن يرعى غنمها سنة لم يجز على رواية الأصل، وروى ابن سماعة عن محمد أنه يجوز في الرعي، وفي " الانتصاف " مذهب مالك في ذلك على ثلاثة أقوال المنع والكراهة والجواز، ويقال على الجواز كانت الغنم للمزوجة لا لأبيها وليس في المدة إبهام إذ هي الحجج الثمان والزائدة قد وعد موسى عليه السلام الوفاء به إن تيسر له على أن الإبهام في المهر يجوز كما هو مبين في الفروع، وقال بعضهم يجوز أن تكون الشرائع مختلفة في أمر الإنكاح فلعل إنكاح المبهمة جائز في شريعة شعيب عليه السلام ويكون التعيين للولي أو للزوج، وكذا جعل خدمة الولي صداقا ونحو ذلك مما لا يجوز في شريعتنا.
ولا يرد أن ما قص من الشرائع السالفة من غير إنكار فهو شرع لنا لأنه على الإطلاق غير مسلم. وفي الأكليل عن مكي أنه قال: في الآية خصائص في النكاح. منها أنه لم يعين الزوجة، ولا حد أول المدة، وجعل المهر إجارة، ودخل ولم ينفذ شيئا. والذي يميل إليه القلب اختلاف الشرائع في مواجب النكاح وربما يستأنس له بما في الفصل التاسع والعشرين من السفر الأول من التوراة أن يعقوب عليه السلام مضى إلى بلد أهل الشرق فإذا بئر في الصحراء على فمها صخرة عظيمة وعندها ثلاثة قطعان من الغنم فقال لرعاتها: من أين أنتم يا إخوة؟ قالوا: من حران. فقال لهم: أتعرفون لأبان بن ناحور؟ فقالوا: نعم. فقال: أحي هو؟ قالوا: نعم وهذه راحيل ابنته مع الغنم. ثم قال: ليس هذا وقت انضمام الماشية فاسقوا الغنم وامضوا بها فارعوها. قالوا: لا نطيق ذلك إلى أن تجتمع الرعاة ويدحرجوا الصخرة عن فم البئر فبينما هو يخاطبهم جاءت راحيل مع غنم أبيها فلما رأى ذلك تقدم ودحرج الصخرة وسقى غنم خاله لأبان ثم قبل راحيل وبكى وأخبرها أنه ابن عمتها ربقا فأخبرت أباها فخرج للقائه فعانقه وقبله وأدخله إلى منزله ثم قال لأبان له: أما أنت فعظمي ولحمي ومكث عنده شهرا فقال له لأبان: أنت وإن كنت ذا قرابة مني لا أستحسن أن تخدمني مجانا فأخبرني بما تريد من الأجرة؟ وكان له ابنتان اسم الكبرى ليا واسم الصغرى راحيل وعينا ليا حسنتان وراحيل حسنة الحلية والمنظر فأحبها يعقوب فقال: أخدمك سبع سنين براحيل فقال: لأبان: إعطائي إياها لك أصلح من إعطائي إياها لرجل آخر فأقم عندي فخدمه براحيل سبع سنين ثم قال: أعطني زوجتي فقد كملت أيامي فجمع