تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٢٥٠
ما منكم أحد عنه من حاجزين. وأجاز الفراء هذه القراءة عن ضعف وزعم أن * (من أولياء) * هو الاسم وما في * (يتخذ) * هو الخبر كأنه يجعله على القلب انتهى.
ونقل صاحب المطلع عن صاحب النظم أنه قال: الذي يوجب سقوط هذه القراءة أن من لا تدخل إلا على مفعول لا مفعول دونه نحو قوله تعالى: * (ما كان لله أن يتخذ من ولد) * (مريم؛ 35) فإذا كان قبل المفعول مفعول سواه لم يحسن دخولها كما في الآية على هذه القراءة. ولا يخفى عليك أن في الإقدام على القول بأنها خطأ أو ساقطة مع روايتها عمن سمعت من الأجلة خطرا عظيما ومنشأ ذلك الجهل ومفاسده لا تحصى. وذهب ابن جني إلى جواز زيادة من في المفعول الثاني فيقال: ما اتخذت زيدا من وكيل على معنى ما اتخذته وكيلا أي وكيل كان من أصناف الوكلاء. ومعنى الآية على هذا المنول ما ينبغي لنا أن يتخذونا من دونك أولياء أي أولياء أي ما يقع عليه اسم الولاية. وجوز أن يكون * (نتخذ) * على هذه القراءة مما له مفعول واحد * (ومن دونك) * صلة و * (من أولياء) * حال و * (من) * زائدة وعزا هذا في " البحر " إلى ابن جني. وجوز بعضهم كون * (نتخذ) * في القراءة المشهورة من اتخذ المتعدي لمفعولين، وجعل أبو البقاء على هذا * (من أولياء) * المفعول الأول بزيادة من و * (من دونك) * المفعول الثاني وعلى كونه من المتعدي لواحد يكون هذا حالا.
وقرأ الحجاج " أن نتخذ من دونك أولياء " فبلغ عاصما فقال: مقت المخدج أو ما علم أن فيها من. وقوله تعالى: * (ول‍اكن متعتهم وءاباءهم) * الخ استدراك مسوق لبيان أنهم هم الضالون بعد بيان تنزههم عن إضلالهم على أبلغ وجه كما سمعت، وقد نعى عليهم سوء صنيعهم حيث جعلوا أسباب الهداية أسبابا للضلالة أي ما أضللناهم ولكن متعتهم وآباءهم بأنواع النعم ليعرفوا حقها ويشكروها فاستغرقوا في الشهوات وانهمكوا فيها * (حتى نسوا الذكر) * أي غفلوا عن ذكرك والإيمان بك أو عن توحيدك أو عن التذكر لنعمك وآيات ألوهيتك ووحدتك.
وفي " البحر " الذكر ما ذكر به الناس على ألسنة الأنبياء عليهم السلام أو الكتب المنزلة أو القرآن، ولا يخفى ما في الأخير إذا قيل: بعموم الكفار والمخبر عنهم في الآية وشمولهم كفار هذه الأمة وغيرهم * (وكانوا) * أي في علمك الأزلي المتعلق بالأشياء على ما هي عليه في أنفسها أو بما سيصدر عنهم فيما لا يزال باختيارهم وسوء استعدادهم من الأعمال السيئة * (قوما بورا) * هالكين على أن * (بورا) * مصدر وصف به الفاعل مبالغة ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع، وأنشدوا: / جسم] فلا تكفروا ما قد صنعنا إليكم * وكافوا به فالكفر بور لصانع وقول ابن الزبعري: يا رسول المليك إن لساني * راتق ما فتقت إذ أنا بور أو جمع بأثر كعوذ في عائذ وتفسيره بهالكين رواه ابن جرير. وغيره عن مجاهد، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن نافع بن الأزرق ساله عن ذلك فقال: هلكى بلغة عمان وهم من اليمن، وقيل: بورا فاسدين في لغة الأزد ويقولون: أمر بائر أي فاسد وبارت البضاعة إذا فسدت. وقال الحسن: بورا لا خير فيهم من قولهم: أرض بور أي متعطلة لا نبات فيها، وقيل: بورا عميا عن الحق، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله على ما قال أبو السعود.
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 » »»