بسم الله الرحمن الرحيم سورة الأنبياء نزلت بمكة كما أخرج ابن مردويه عن ابن عباس. وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم، وفي " البحر " أنها مكية بلا خلاف وأطلق ذلك فيها، واستثنى منها في الإتقان قوله تعالى: * (أفلا يرون أنا نأتي الأرض) * (الأنبياء: 44) الآية وهي مائة واثنتا عشرة آية في عد الكوفي وإحدى عشرة في عد الباقين كما قاله الطبرسي والداني، ووجه اتصالها بما قبلها غني عن البيان، وهي سورة عظيمة فيها موعظة فخيمة؛ فقد أخرج ابن مردويه. وأبو نعيم في الحلية. وابن عساكر عن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب فأكرم عامر مثواه وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه الرجل فقال: إن استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم واديا ما في العرب واد أفضل منه وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك فقال عامر: لا حاجة لي في قطيعتك نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا * (اقترب للناس) * إلى آخره.
* (اقترب للناس حسابهم وهم فى غفلة معرضون) *.
* (اقترب للناس حسابهم) * روي عن ابن عباس كما قال الإمام. والقرطبي. والزمخشري أن المراد بالناس المشركون ويدل عليه ما ستسمعه بعد إن شاء الله تعالى من الآيات فإنها ظاهرة في وصف المشركين، وقال بعض الأجلة: إن ما فيها من قبيل نسبة ما للبعض إلى الكل فلا ينافي كون تعريفه للجنس، ووجه حسنه ههنا كون أولئك البعض هم الأكثرون وللأكثر حكم الكل شرعا وعرفا. ومن الناس من جوز إرادة الجنس والضمائر فيما بعد لمشركي أهل مكة وإن لم يتقدم ذكرهم في هذه السورة وليس بأبعد مما سبق، وقال بعضهم: إن دلالة ما ذكر على التخصيص ليست الأعلى تقدير تفسير الأوصاف بما فسروها به، ويمكن أن يحمل كل منها على معنى يشترك فيه عصاة الموحدين ولا يخفى أن في ذلك ارتكاب خلاف الظاهر جدا، واللام صلة لاقترب كما هو الظاهر وهي بمعنى إلى أو بمعنى من فإن * (اقترب) * افتعل من القرب ضد البعد وهو يتعدى بإلى وبمن، واقتصر بعضهم على القول بأنها بمعنى إلى فقيل فيه تحكم لحديث تعدى القرب بهما، وأجيب بأنه يمكن أن يكون ذلك لأن كلا من من وإلى اللتين هما صلتا القرب بمعنى انتهاء الغاية إلا أن إلى عريقة في هذا المعنى ومن عريقة في ابتداء الغاية فلذا أوثر التعبير عن كون اللام المذكورة بمعنى انتهاء الغاية كالتي في قوله تعالى: * (بأن ربك أوحى لها) * (الزلزلة: 5) القول بأنها بمعنى إلى واقتصر عليه، وفي " الكشف " المعنى على تقدير كونه صلة لاقترب اقترب من الناس لأن معنى الاختصاص وابتداء الغاية كلاهما مستقيم يحصل به الغرض انتهى، وفيه بحث فإن المفهوم منه أن يكون كلمة من التي يتعدى بها فعل الاقتراب بمعنى ابتداء الغاية وليس كذلك لعدم ملاءمة ذلك المعنى مواقع استعمال تلك الكلمة فالحق أنها بمعنى انتهاء الغاية فإنهم ذكروا أن من يجىء لذلك، قال الشمني: وفي الجني الداني مثل ابن مالك لانتهاء الغاية بقولهم تقربت منه فإنه مساو لتقربت إليه، ومما يشهد لذلك أن فعل الاقتراب كما يستعمل بمن يستعمل بإلى، وقد ذكر في معاني من انتهاء الغاية كما سمعت ولم يذكر أحد في معاني إلى ابتداء الغاية والأصل أن تكون