تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ٨
كلمات التخويف والتحذير ونزلت عليهم الآيات وقرعت لهم العصا ونبهوا عن سنة الغفلة والجهالة عدد الحصا وأرشدوا إلى طريق الحق مرارا لا يزيدهم ذلك إلا فرارا، وأما إن ذلك المنزل حادث أو قديم فمما لا تعلق له بالمقام كما لا يخفى على ذوي الإفهام. وجوز أن يكون المراد بالذكر الكلام النفسي وإسناد الإتيان إليه مجاز بل إسناده إلى الكلام مطلقا كذلك؛ والمراد من الحدوث التجدد ويقال: إن وصفه بذلك باعتبار التنزيل فلا ينافي القول بقدم الكلام النفسي الذي ذهب إليه مثبتوه من أهل السنة والجماعة. والحنابلة القائلون بقدم اللفظي كالنفسي يتعين عندهم كون الوصف باعتبار ذلك لئلا تقوم الآية حجة عليهم، وقال الحسن بن الفضل المراد بالذكر النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمي ذكرا في قوله تعالى: * (قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا) * (الطلاق: 10، 11) ويدل عليه هنا * (هل هذا) * الخ الآتي قريبا إن شاء الله تعالى وفيه نظر، وبالجملة ليست الآية مما تقام حجة على رد أهل السنة ولو الحنابلة كما لا يخفى * (وأسروا النجوى) * كلام مستأنف مسوق لبيان جناية أخرى من جناياتهم، و * (النجوى) * اسم من التناجي ولا تكون إلا سرا فمعنى إسرارها المبالغة في إخفائها، ويجوز أن تكون مصدرا بمعنى التناجي فالمعنى أخفوا تناجيهم بأن لم يتناجوا بمرأى من غيرهم، وهذا على ما في " الكشف " أظهر وأحسن موقعا، وقال أبو عبيدة: الإسرار من الأضداد، ويحتمل أن يكون هنا بمعنى الإظهار ومنه قول الفرزدق: فلما رأى الحجاج جرد سيفه * أسر الحروري الذي كان أضمرا وأنت تعلم أن الشائع في الاستعمال معنى الإخفاء وإن قلنا إنه من الأضداد كما نص عليه التبريزي ولا موجب للعدول عن ذلك، وقوله تعالى: * (الذين ظلموا) * بدل من ضمير * (أسروا) * كما قال المبرد، وعزاه ابن عطية إلى سيبويه، وفيه إشعار بكونهم موصوفين بالظلم الفاحش فيما أسروا به، وقال أبو عبيدة. والأخفش. وغيرهما: هو فاعل * (أسروا) * والواو حرف دال على الجمعية كواو قائمون وتاء قامت وهذا على لغة أكلوني البراغيث وهي لغة لأزدشنوءة قال شاعرهم: يلومونني في اشتراء النخيل أهلي وكلهم ألوم.
وهي لغة حسنة على ما نص أبو حيان وليست شاذة كما زعمه بعضهم، وقال الكسائي: هو مبتدأ والجملة قبله خبره وقدم اهتماما به، والمعنى هم أسروا النجوى فوضع الموصول موضع الضمير تسجيلا على فعلهم بكونه ظلما، وقيل هو خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين، وقيل هو فاعل لفعل محذوف أي يقول الذين والقول كثيرا ما يضمر، واختاره النحاس، وهو على هذه الأقوال في محل الرفع.
وجوز أن يكون في محل النصب على الذم كما ذهب إليه الزجاج أو على إضمار أعني كما ذهب إليه بعضهم، وأن يكون في محل الجر على أن يكون نعتا * (للناس) * كما قال أبو البقاء أو بدلا منه كما قال الفراء وكلاهما كما ترى، وقوله تعالى: * (هل هذا إلا بشر مثلكم) * الخ في حيز النصب على أنه مفعول لقول مضمر بعد الموصول وصلته هو جواب عن سؤال نشأ مما قبله كأنه قيل ماذا قالوا في نجواهم؟ فقيل قالوا هذا هذا الخ أو بدل من * (أسروا) * أو معطوف عليه، وقيل حال أي قائلين هل هذا الخ وهو مفعول لقول مضمر قبل الموصول على ما اختاره النحاس، وقيل مفعول للنجوى نفسها لأنها في معنى القول والمصدر المعرف يجوز إعماله الخليل. وسيبويه، وقيل بدل منها أي أسروا هذا الحديث، و * (هل) * بمعنى النفوي ليست للاستفهام التعجبي كما زعم أبو حيان، والهمزة في قوله تعالى: * (أفتأتون السحر) * للإنكار والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام، وقوله سبحانه: * (وأنتم تبصرون) *
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»