تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ١٥٠
بطون جوارح الطير المشرك الذي لا خلاص له من الشرك ولا نجاة أصلا، والمشبه بالنوع الثاني الذي رمته الريح في المهاوي المشرك الذي يرجى خلاصه على بعد، وقال ابن المنير: إن الكافر قسمان لا غير، مذبذب متمادى على الشك وعدم التصميم على ضلالة واحدة وهذا مشبه بمن اختطفته الطير وتوزعته فلا يستولى طائر على قطعة منه إلا انتبا منه آخر وتلك حال المذبذب لا يلوح له خيال إلا اتبعه وترك ما كان عليه، ومشرك مصمم على معتقد باطل لو نشر بالمناشيز لم يكع ولم يرجع لا سبيل إلى تشكيكه ولا مطمع في نقله عما هو عليه فهو فرح مبتهج بضلالته وهذا مشبه في قراره على الكفر باستقرار من هوت به الريح إلى واد سافل هو أبعد الأحياز عن السماء فاستقر فيه انتهى، ولا يخفى أن ما ذكرناه أوفق بالظاهر.
وجوز غير واحد أن يكون من التشبيهات المركبة فكأنه سبحانه قال: من أشرك بالله تعالى فقد أهلك نفسه إهلاكا ليس بعده بأن صور حاله بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير فتفرق قطعا في حواصلها أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطارح البعيدة، وجعل في " الكشف " أو على هذا للتخيير وليس بمتعين فيما يظهر، وعلى الوجهين تفريق التشبيه وتركيبه في الآية تشبيهان.
وذكر الطيبي أن فيها على التركيب تشبيهين، و * (تهوى) * عطف على * (خر) * وعلى التفريق تشبيها واحدا و * (تهوى) * عطف على * (تخطف) * وزعم أن في عبارة الكشاف ما يؤذن بذلك وهو غير مسلم * (ذلك) * أي الأمر ذلك أو امتثلوا ذلك * (ومن يعظم شعائر الله) * أي البدن الهدايا كما روى عن ابن عباس. ومجاهد. وجماعة وهي جمع شعيرة أو شعارة بمعنى العلامة كالشعار، وأطلقت على البدن الهدايا لأنها من معالم الحج أو علامات طاعته تعالى وهدايته.
وقال الراغب: لأنها تشعر أي تعلم بأن تدمى بشعيرة أي حديدة يشعر بها، ووجه الإضافة على الأوجه الثلاثة لا يخفى، وتعظيمها أن تختار حسانا سمانا غالية الأثمان، روى أنه صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب، وعن عمر أنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلثمائة دينار وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعها ويشتري بثمنها بدنا فنهاه عن ذلك وقال: بل أهدها، وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يسوق البدن مجللة بالقباطي فيتصدق بلحومها وبجلالها، وقال زيد بن أسلم: الشعار ست الصفا. والمروة والبدن. والجمار والمسجد الحرام. وعرفة. والركن، وتعظيمها إتمام ما يفعل بها، وقال ابن عمر. والحسن. ومالك. وابن زيد: الشعائر مواضع الحجج كلها من منى وعرفة والمزدلفة والصفا والمروة والبيت وغير ذلك وهو نحو قول زيد.
وقيل: هي شرائع دينية تعالى وتعظيمها التزامها، والجمهور على الأول وهو أوفق لما بعد، و * (من) * إما شرطية أو موصولة وعلى التقديرين لا بد في قوله تعالى: * (فإنها من تقوى القلوب) * من ضمير يعود إليها أو ما يقوم مقامه فقيل إن التقدير فإن تعظيمها الخ، والتعظيم مصدر مضاف إلى مفعوله ولا بد له من فاعل وهو ليس إلا ضميرا يعود إلى * (من) * فكأنه قيل فإن تعظيمه إياها، و * (من) * تحتمل أن تكون للتعليل أي فإن تعظيمها لأجل تقوى القلوب وأن تكون لابتداء الغاية أي فإن تعظيمها ناشيء من تقوى القلوب، وتقدير هذا المضاف واجب على ما قيل من حيث أن الشعائر نفسها لا يصح الإخبار عنها بأنها من التقوى بأي معنى كانت * (من) *. وقال الزمخشري: التقدير فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها لأنه لا بد
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»