تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ١٤٩
وابن ماجه. والطبراني. وغيرهم عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح فلما انصرف قائما قال: عدلت شهادة الزور الإشراك بالله تعالى ثلاث مرات ثم تلا هذه الآية.
وتعقب بأنه لا نص فيما ذكر من الخبر مع ما في سنده في بعض الطرق من المقال على التخصيص لجواز بقاء الآية على العموم وتلاوتها لشمولها لذلك، وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل أنه قال يعني بقول الزور الشرك بالكلام وذلك أنهم كانوا يطوفون بالبيت فيقولون في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك وهو قول بالخصيص. ولا يخفى أن التعميم أولى منه وإن لاءم المقام كتخصيص بعضهم ذلك بقول المشركين هذا حلال وهذا حرام * (حنفاء لله) * مائلين عن كل دين زائغ إلى الدين الحق مخلصين له تعالى * (غير مشركين به) * أي شيئا من الأشياء فيدخلوا في ذلك الأوثان دخولا أولياء وهما حالان مؤكدتان من واو فاجتنبوا. وجوز أن يكون حالا من واو * (واجتنبوا) * وأخر التبري عن التولي ليتصل [بم بقوله تعالى:
* (حنفآء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السمآء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح فى مكان سحيق) *.
* (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء) * وهي جملة مبتدأة مؤكدة لما قبلها من الاجتناب من الإشراك، وإظهار الاسم الجليل لإظهار كمال قبح الإشراك، وقد شبه الايمان بالسماء لعلوه والإشراك بالسقوط منها فالمشرك ساقط من أوج الايمان إلى حضيض الكفر وهذا السقوط إن كان في حق المرتد فظاهره وهو في حق غيره باعتبار الفطرة وجعل التمكن والقوة بمنزلة الفعل كما قيل في قوله تعالى: * (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) * (البقرة: 257) * (فتخطفه الطير) * فإن الأهواء المردية توزع أفكاره وفي ذلك تشبيه الأفكار الموزعة بخطف جوارح الطير وهو مأخوذ من قوله تعالى: * (ضرب الله مئلا رجلا فيه شركا متشاكسون) * (الزمر: 29) وأصل الخطف الاختلاس بسرعة.
وقرأ نافع * (فتخطفه) * بفتح الخاء والطاء مشددة. وقرأ الحسن. وأبو بجار. والأعمش * (فتخطفه) * بكسر التاء والخاء والطاء مشددة، وعن الحسن كذلك إلا أنه فتح الطاء مشددة. وقرأ الأعمش أيضا * (تخطفه) * بغير فاء وإسكان الخاء وفتح الطاء مخففة، والجملة على هذه القراءة في موضع الحال، وأما على القراءات الأول فالفاء للعطف وما بعدها عطف على * (خر) * وفي إيثار المضارع إشعار باستحضار تلك الحالة العجيبة في مشاهد المخاطب تعجيبا له، وجوز أبو البقاء أن يكون الكلام بتقدي فهو يخطفه والعطف من عطف الجملة في مشاهد المخاطب تعجيبا له، وجوز أبو البقاء أن يكون الكلام بتقدير فهو يخطفه والعف من عطف الجملة على الجملة * (أو تهوى به الريح) * أي تسقطه وتقذفه. وقرأ أبو جعفر. وأبو رجاء * (الرياح) * * (في مكان سحيق) * بعيد فإن الشيطان قد طوح به في الضلالة، وفي ذلك تشبيه الشيطان المضل بالريح المهوية وهو مأخوذ من قوله تعالى: * (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا) * (مريم: 83) فالتشبيه في الآية مفرق. والظاهر أن * (تهوى) * عطف على * (تخطف) * وأو للتقسيم على معنى أن مهلكه إما هوى يتفرق به في شعب الخسار أو شيطان يطوح به في مهمه البوار، وفرق بين خاطر النفس والشيطان فلا يرد ما قاله ابن المنير من أن الأفكار من نتائج وساوس الشيطان، والآية سيقت لجعلهما شيئين، وفي تفسير القاضي أنها للتخيير على معنى أنت مخير بين أن تشبه المشرك بمن خر من السماء فتخطفه الطير وبين من خر من السماء فتهوى به الريح في مكان سحيق أو للتنويع على معنى أن المشبه به نوعان والمشبه بالنوع الأول الذي توزع لحمه في
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»