وقرأ الجمهور * (سواء) * بالرفع على أنه خبر * (والعاكف) * مبتدأ، وضعف العكس لما فيه من الأخبار بالمعرفة عن النكرة، والجملة في موضع المفعول الثاني أو الحال، وجوز أن تكون تفسيرية لجعله للناس؛ وقرأت فرقة منهم الأعمش في رواية القطعي * (سواء) * بالنصب * (العاكف) * فيه بالجر، ووجه النصب ما تقدم، ووجه جر * (العاكف) * أنه بدل تفصيل من الناس، وقيل: هو عطف بيان. وقرىء * (والبادي) * بإثبات الياء وصلا ووقفا، وقرىء بتركها فيهما وبإثباتها وصلا وحذفها وقفا * (ومن يرد فيه) * مما ترك مفعوله ليتناول كل متناول أي ومن يرد فيه شيئا ما أو مرادا ما، وقدر ابن عطية المفعول الناس أي ومن يرد فيه الناس.
وقوله تعالى: * (بالحاد) * أي عدول عن القصد أي الاستقامة المعنوية، وأصله إلحاد الحافر * (بظلم) * بغير حق حالان مترادفان أو الثاني بدل من الأول بإعادة الجار والباء فيهما للملابسة، أو الأول حال والثاني متعلق به والباء فيه للسببية أي ملحدا بسبب الظلم كالإشراك واقتراف الآثام، وقال أبو عبيدة: الباء زائدة و * (إلحاد) * مفعول * (يرد) * وأنشد عليه قول الأعشى: ضمنت برزق عيالنا أرماحنا وأيد بقراءة الحسن * (ومن يرد إلحاده بظلم) * وهي على معنى إلحادا فيه إلا أنه توسع فقيل إلحاده، وقال أبو حيان: الأولى أن يضمن " يرد " معنى يتلبس وتجعل الباء للتعدية. وقرأت فرقة " يرد " بفتح الياء من الورود. وحكاها الكسائي. والفراء أي من أتى فيه بالحاد الخ، وتفسير الإلحاد بما ذكر هو الظاهر فيشمل سائر الآثام لأن حاصل معناه الميل عن الحق إلى الباطل وهو محقق في جميع الآثام، وكذا المراد بالظلم عند جمع وجمعهما على هذا للتأكيد، وقيل: المراد بذلك الشرك ولم يرتضه ابن أبي مليكة، فقد أخرج عبد بن حميد أنه سئل عن قوله تعالى: * (ومن يرد) * الخ فقال: ما كنا نشك أنها الذنوب حتى جاء أعلاج من أهل البصرة إلى أعلاج من أهل الكوفة فزعموا أنها الشرك. وأخرج أبو داود وغيره عن يعلى بن أمية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه، وهو من ذكر بعض الأفراد لاقتضاء الحال إياه، وجعل بعضهم من ذلك دخوله من غير إحرام، وروي عن عطاء تفسير الإلحاد به. وأخرج ابن جرير. وجماعة عن مجاهد قال: كان لعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم فإذا أراد أن يصلي صلى في الذي في الحرم وإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الذي في الحل فقيل له فقال: نحدث أن من الإلحاد فيه لا والله بلى والله * (نذقه من عذاب أليم) * جواب لمن الشرطية. والظاهر أن الوعيد على إرادة ذلك مطلقا فيفيد أن من أراد سيئة في مكة ولم يعملها يحاسب على مجرد الإرادة وهو قول ابن مسعود. وعكرمة. وأبي الحجاج، وقال الخفاجي: الوعيد على الإرادة المقارنة للفعل لا على مجرد الإرادة لكن في التعبير بها إشارة إلى مضاعفة السيئات هناك والإرادة المصممة مما يؤاخذ عليها أيضا وإن قيل إنها ليست كبيرة، وقد روي عن مالك كراهة المجاورة بمكة انتهى، وإلى مضاعفة السيئة في مكة ذهب مجاهد، فقد أخرج عنه ابن المنذر وغيره أنه قال: تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات، وقال رحمه الله تعالى: سألت ابن عمر وكان منزله في الحل ومسجده في الحرم لم تفعل هذا؟ فقال: لأن العمل في الحرم أفضل والخطيئة فيه أعظم فينبغي لمن كان فيه أن يضبط نفسه ويسلك طريق السداد في جميع ما يهم به ويقصده.
والظاهر أن هذه الإذاقة في الآخرة، وقيل كان قبل أن يستحله أهله تعجل العقوبة في الدنيا لمن قصده