وأبقى عذابا، وقوله تعالى:
* (إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى) * * (إنه) * إلى آخر الشرطيتين تعليل من جهتهم لكونه تعالى شأنه خير وأبقى وتحقيق له وإبطال لما ادعاه اللعين، وتصديرهما بضمير الشأن للتنبيه على فخامة مضمونهما ولزيادة تقرير له أي إن الشيطان الخطير هذا أي قوله تعالى: * (من يأت ربه مجرما) * بأن مات على الكفر والمعاصي.
* (فاإن له جهنم لا يموت فيها) * فينتهي عذابه وهذا تحقيق لكون عذابه تعالى أبقى * (ولا يحيى) * حياة ينفتع بها.
* (ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولائك لهم الدرجات العلى) * * (ومن يأته مؤمنا) * به عز وجل وبما جاء من عنده من المعجزات التي من جملتها ما شاهدنا * (قد عمل الصالحات) * من الأعمال * (فأولئك) * إشارة إلى * (من) * والجمع باعتبار معناها كما أن الأفراد فيما تقدم باعتبار لفظها، وما فيها من معنى البعد للإشعار بعلو درجتهم وبعد منزلتهم أي فأولئك المؤمنون العاملون للأعمال الصالحات * (لهم) * بسبب إيمانهم وعملهم ذلك * (الدرجات العلى) * أي المنازل الرفيعة * (جنات عدن) * بدل من الدرجات العلى أو بيان وقد تقدم في عدن.
* (جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذالك جزآء من تزكى) * * (تجري من تحتها الأنهار) * حال من الجنات، وقوله تعالى: * (خالدين فيها) * تحقيق لكون ثوابه تعالى أبقى وهو حال من الضمير في لهم، والعالم فيه معنى الاستقرار في الظرف أو ما في * (أولئك) * من معنى أشير والحال مقدرة ولا يجوز أن يكون * (جنات) * خبر مبتدأ محذوف أي هي جنات لخلو الكلام حينئذ عن عامل في الحال ما ذكره أبو البقاء * (وذالك) * إشارة إلى ما أتيح لهم من الفوز بما ذكر ومعنى البعد لما أشير إليه من قرب من التفخيم * (جزاء من تزكى) * أي تطهر من دنس الكفر والمعاصي بما ذكر فيمن الايمان والأعمال الصالحة.
وهذا تصريح بما أفادته الشرطية، وتقديم ذكر حال المجرم للمسارعة إلى بيان أشدية عذابه عز وجل ودوامه ردا على ما ادعاه فرعون بقوله: * (أينا أشد عذابا وأبقى) * (طه: 71)، وقال بعضهم: إن الشرطيتين إلى هنا ابتداء كلام منه جل وعلا تنبيها على قبح ما فعل فرعون وحسن ما فعل السحرة والأول أولى خلافا لما حسبه النيسابوري. هذا واستدل المعتزلة بالشرطية الأولى على القطع بعذاب مرتكب الكبيرة قالوا: مرتكب الكبيرة مجرم لأن أصل الجرم قطع الثمرة عن الشجرة ثم استعير لاكتساب المكروه وكل مجرم فإن له جهنم للآية فإن من الشرطية فيها عامة بدليل صحة الاستثناء فينتج مرتكب الكبيرة إن له جهنم وهو دال على القطع بالوعيد.
وأجاب أهل السنة بأنا لا نسلم الصغرى لجواز أن يراد بالمجرم الكافر فكثيرا ما جاء في القرآن بذلك المعنى كقوله تعالى: * (تيساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر) * (المدثر: 40 - 42) إلى قوله سبحانه: * (وكنا نكذب بيوم الدين) * (المدثر: 46) وقوله تعالى: * (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) * إلى آخر السورة، وعلى تقدير تسليم هذه المقدمة لا نسلم الكبرى على إطلاقها وإنما هي كلية بشرط عدم العفو مع أنا لا نسلم أن من الشرطية قطعية في العموم كما قال الإمام وحينئذ لا يحصل القطع بالوعيد مطلقا، وعلى تقدير تسليم المقدمتين يقال يعارض ذلك الدليل عموم الوعد في قوله تعالى ومن يأته مؤمنا الخ ويجعل الكلام فيمن آمن وعمل الصالحات وارتكب الكبيرة