تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٣٢
وفيه استعارة تبعية. والكلام في ذلك شهير. وقيل: لا استعارة أصلا لأن فرعون نقر جذوع النخل وصلبهم في داخلها ليموتوا جوعا وعطشا ولا يكاد يصح بل في أصل الصلب كلام. فقال بعضهم: إنه أنفذ فيهم وعيده وصلبهم وهو أول من صلب. ولا ينافيه قوله تعالى: * (أنتما ومن اتبعكما الغالبون) * لأن المراد الغلبة بالحجة. وقال الإمام: لم يثبت ذلك في الأخبار. وأنت تعلم أن الظاهر السلامة. وصيغة التفعيل في الفعلين للتكثير. وقرىء بالتخفيف فيهما.
* (ولتعملن أينا أشد عذابا وأبقى) * يريد من - نا - نفسه وموسى عليه السلام بقرينة تقدم ذكره في قوله تعالى: * (ءامنتم له) * بناء على الظاهر فيه. واختار ذلك الطبري. وجماعة. وهذا إما لقصد توضيع موسى عليه السلام والهزء به لأنه عليه السلام لم يكن من التعذيب في شيء، وإما لأن إيمانهم لم يكن بزعمه عن مشاهدة المعجزة ومعاينة البرهان بل كان عن خوف من قبله عليه السلام حيث رأوا ابتلاع عصاه لحبالهم وعصيهم فخافوا على أنفسهم أيضا، واختار أبو حيان أن المراد من الغير الذي أشار إليه الضمير رب موسى عز وجل الذي آمنوا به بقولهم: * (آمنا برب هارون موسى) *. * (ولتعلمن) * هنا معلق و * (أبنا أشد) * جملة استفهامية من مبتدأ وخبر في موضع نصب سادة مسد مفعوليه إن كان العلم على بابه أو في موضع مفعول واحد له إن كان بمعنى المعرفة. ويجوز على هذا الوجه أن يكون * (أينا) * مفعولا وهو مبني على رأي سيبويه و * (أشد) * خبر مبتدأ محذوف أي هو أشد. والجملة صلة أي والعائد الصدر، و * (عذابا) * تمييز. وقد استغنى بذكره مع * (أشد) * عن ذكره مع * (أبقى) * وهو مراد أيضا. واشتقاق أبقى من البقاء بمعنى الدوام. وقيل: لا يبعد والله تعالى أعلم أن يكون من البقاء بمعنى العطاء فإن اللعين كان يعطي لمن يرضاه العطايا فيكون للآية شبه بقول نمروذ * (أنا أحي وأميت) * وهو في غاية البعد عند من له ذوق سليم. ثم لا يخفى أن اللعين في غاية الوقاحة ونهاية الجلادة حيث أوعد وهدد وأبرق وأرعد مع قرب عهده بما شاهد من انقلاب العصا حية وما لها من الآثار الهائلة حتى أنها قصدت ابتلاع قبته فاستغاث بموسى عليه السلام ولا يبعد نحو ذلك من فاجر طاغ مثله.
* (قالوا لن نؤثرك على ما جآءنا من البين‍ات والذى فطرنا فاقض مآ أنت قاض إنما تقضى ه‍اذه الحيواة الدنيآ) * * (قالوا) * غير مكترثين بوعيده * (لن نؤثرك) * لن نختارك بالإيمان والانقياد * (على ما جاءنا) * من الله تعالى على يد موسى عليه السلام * (من البينات) * من المعجزات الظاهرة التي اشتملت عليها العصا. وإنما جعلوا المجىء إليهم وإن عم لأنهم المنتفعون بذلك والعارفون به على أتم وجه من غير تقليد. وما موصولة وما بعدها صلتها والعائد الضمير المستتر في جاء. وقيل العائد محذوف وضمير * (جاءنا) * لموسى عليه السلام أي على الذي جاءنا به موسى عليه السلام وفيه بعد. وإن كان صنيع بعضهم اختياره مع أن في صحة حذف مثل هذا المجرور كلاما.
* (والذي فطرنا) * أي أبدعنا وأوجدنا وسائر العلويات والسفليات. وهو عطف على * (ما جاءنا) * وتأخيره لأن ما في ضمنه آية عقلية نظرية وما شاهدوه آية حسية ظاهرة. وإبراده تعالى بعنوان الفاطرية لهم للإشعار بعلة الحكم فإن إبداعه تعالى لهم. وكون فرعون من جملة مبدعاته سبحانه مما يوجب عدم إيثارهم إياه عليه عز وجل. وفيه تكذيب للعين في دعواه الربوبية. وقيل: الواو للقسم وجوابه محذوف لدلالة المذكور عليه أي وحق الذي فطرنا لن نؤثرك الخ. ولا مساغ لكون المذكور جوابا عند من يجوز تقديم
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»