الفاعل يراد به المفعول أعني المستور وهو ما كان خلفا وإذا أضيف إلى المفعول يراد به الفاعل أعني الساتر وهو ما كان قداما. ورد عليه بقوله تعالى: * (ارجعوا وراءكم) * فإن وراء أضيفت فيه إلى المفعول والمراد بها الخلف.
وقال الفراء: لا يجوز أن يقال للرجل بين يديه هو وراءك وكذا في سائر الأجسام وإنما يجوز ذلك في المواقيت من الليالي والأيام؛ وقال أبو علي: إنما جاز استعمال وراء بمعنى أمام على الاتساع لأنها جهة مقابلة لجهة فكانت كل واحدة من الجهتين وراء الأخرى إذا لم يرد معنى المواجهة ويجوز ذلك في الأجرام التي لا وجه لها مثل حجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر، وقيل: أي خلفهم كما هو المشهور في معنى وراء. واعترض بأنه إذا كان خلفهم فقد سلموا منه. وأجيب بأن المراد أنه خلفهم مدرك لهم ومار بهم أو بان رجوعهم عليه واسمه على ما يزعمون هدد بن بدد وكان كافرا، وقيل. جلندي بن كركر ملك غسان، وقيل. مفواد بن الجلند بن سعيد الأزدي وكان بجزيرة الأندلس * (يأخذ كل سفينة) * أي صالحة وقد قرأ كذلك أبي بن كعب، ولو أبقى العموم على ظاهره لم يكن للتعييب فائدة * (غصبا) * من أصحابها، وانصابه على أنه مصدر مبين لنوع الأخذ، والظاهر أنه كان يغصب السفن من أصحابها ثم لا يردها عليهم، وقيل. كان يسخرها ثم يردها، والفاء في * (فأردت) * للتفريع فيفيد أن سبب إرادة التعييب كونها لقوم مساكين عجزة لكن لما كانت مناسبة هذا السبب هذا السبب للمسبب خفية بين ذلك بذكر عادة الملك في غصب السفن، وما آل المعنى أما السفينة فكانت لقوم مساكين عجزة يكتسبون بها فأردت بما فعلت أعانتهم على ما يخافونه ويعجزون عن دفعه من غصب ملك وراءهم عادته غصب السفن الصالحة، وذكر بعضهم أن السبب مجموع الأمرين المسكنة والغصب إلا أنه وسط التفريع بين الأمرين وكان الظاهر تأخيره عنهما للغاية به من حيث أن ذلك الفعل كان هو المنكر المحتاج إلى بيان تأويله وللإيذان بأن الأقوى في السببية هو الأمر الأول ولذلك لم يبال بتخليص سفن سائر الناس مع تحقق الجزء الأخير من السبب ولان في تأخيره فصلا بين السفينة وضميرها مع توهم رجوعه إلى الأقرب فليفهم، وظاهر الآية أن موسى عليه السلام ما علم تأويل هذا الفعل قبل. ويشكل عليه ما جاء عن الربيع أن الخضر عليه السلام بعد أن خرق السفينة وسلمت من الملك الظالم أقبل على أصحابها فقال: إنما أردت الذي هوخير لكم فحمدوا رأيه وأصلحها لهم كما كانت فإنه ظاهر في أنه عليه السلام أوقفهم على حقيقة الأمر، والظاهر أن موسى عليه السلام كان حاضرا يسمع ذلك، وقد يقال: إن هذا الخبر لا يعول عليه واحتمال صحته مع عدم سماع موسى عليه السلام مما لا يلتفت إليه.
* (وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينآ أن يرهقهما طغيانا وكفرا) * * (وأما الغلام) * الذي قتله * (فكان أبواه) * أي أبوه وأمه ففيه تغليب. واسم الأب على ما في الاتقان كازير والأم سهوا، وفي مصحف أبي وقراءة ابن عباس * (وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه * (مؤمنين) * والمعنى على ذلك في قراءة السبعة إلا أنه ترك التصريح بكفره إشعارا بعدم الحاجة إلى الذكر لظهوره. واستدل بتلك القراءة من قال: إن الغلام كان بالغا لأن الصغير لا يوصف بكفر وإيمان حقيقيين. وأجاب النووي عن ذلك بوجهين، الأول: أن القراءة شاذة لا حجة فيها، الثاني: أنه سماع بما يؤل إليه لو عاش. وفي صحيح مسلم: أن الغلام طبع يوم طبع كافرا وأول بنحو هذا وكذا ما مر من خبر صاحب العرس والعرائس لكن في صحته توقف عندي لأنه ربما يقتضي بظاهره علم موسى عليه السلام بتأويل القتل قبل الفراق، وعلى ما سمعت من التأويل لا يرد شيء مما ذكر على القول المنصور في الأطفال وهو أنهم مطلقا في