وقال الكرماني: هي للاضراب ولذا كررت معها إن، وقال ابن الأنباري: دخلت أو هنا لسعة الأمرين عند الله تعالى ويقال لها المبيحة كالتي في قولهم جالس الحسن أو ابن سيرين فإنهم يعنون قد وسعنا لك الأمر وهو كما ترى * (وما أرسلناك عليهم وكيلا) * أي موكولا ومفوضا إليك أمرهم تقسرهم على الإسلام وتجبرهم عليه * (وإنما أرسلناك بشيرا ونذيرا) * فدارهم ومر أصحابك بمداراتهم وتحمل أذيتهم وترك المشاقة معهم، وهذا قبل نزول آية السيف.
* (وربك أعلم بمن فى السماوات والارض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وءاتينا داوود زبورا) * * (وربك أعلم بمن في السموات والأرض) * وبأحوالهم الظاهرة والباطنة فيختار منهم لنبوته وولايته من يشاء ممن تراه حكمته أهلا لذلك وهو رد عليه إذ قالوا: بعيد أن يكون يتيم ابن أبي طالب نبيا وأن يكون العراة الجوع كصهيب. وبلال. وخباب وغيرهم أصحابه دون أن يكون ذلك من الأكابر والصناديد.
وذكر من في السموات لإبطال قولهم * (لولا أنزل علينا الملائكة) * (الفرقان: 21) وذكر من في الأرض لرد قولهم: * (لولا) * نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم فلا يدل تخصيصهما بالذكر وتعلقهما بأعلم على اختصاص أعلميته تعالى بما ذكر فما قاله أوب علي من أن الجار متعلق بعلم محذوفا ولا يجوز تعلقه بأعلم لاقتضائه أنه سبحانه ليس بأعلم بغير ذلك ناشيء عن عدم العلم بما ذكرنا على أن أبا حيان أنكر تعدي علم بالباء وإنما يتعدى لواحد بنفسه في مثل هذا الموضع * (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) * بالفضائل النفسانية والمزايا القدسية وإنزال الكتب السماوية لا بكثرة الأموال والأتباع * (وآتينا داود زبورا) * بيان لحيثية تفضيله عليه الصلاة والسلام وأنه بإيتائه الزبور لا بإيتائه الملك والسلطنة وفيه إيذان بتفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم فإن كونه عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء. وأمته خير الأمم مما تضمنه الزبور وقد أخبر سبحانه عن ذلك بقوله عز قائلا: * (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) * (الأنبياء: 105) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، وأمته ونص بعضهم أن هذا من باب التلميح نحو قصة المنصور وقد وعد الهذلي بعدة فنسيها فلما حجا وأتيا المدينة قال له يوما وهو يسايره يا أمير المؤمنين هذا بيت عاتكة الذي يقول فيه الأحوص: يا بيت عاتكة الذي أتغزل ففطن لمراده حيث قال ذلك ولم يسأله وعلم أنه يشير إلى قوله في هذه القصيدة: وأراك تفعل ما تقول وبعضهم * مذق اللسان يقول ما لا يفعل فأنجز عدته، والزبور في الأصل وصف للمفعول كالحلوب أو مصدر كالقبول، نعم هذا الوزن في المصادر قليل والأكثر ضم الفاء وبه قرأ حمزة وجعله بعضهم على هذه القراءة جمع زبر بكسر الزاي بمعنى مزبور ثم جعل علما للكتاب المخصوص وليس فيه من الأحكام شيء. أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: الزبور ثناء على الله عز وجل ودعاء وتسبيح، وأخرج هو وابن جرير عن قتادة قال: كنا نحدث أن الزبور دعاء علمه داود عليه السلام وتحميد وتمجيد لله عز وجل ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود.
والذي تدل عليه بعض الآثار اشتمال على بعض النواهي والأوامر، فقد روى ابن أبي شيبة أنه مكتوب فيه أنى أنا الله لا إله إلا أنا ملك الملوك قلوب الملوك بيدي فأيما قوم كانوا على طاعة جعلت الملوك عليهم رحمة وأيما قوم كانوا على معصية جعلت الملوك عليهم نقمة فلا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك ولا تتوبوا إليهم وتوبوا إلى أعطف قلوبهم عليكم، والمزامير التي يفهم منها الأمر والنهي كثيرة فيه كما لا يخفى على من رآه، ومع هذا الفرق