تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٩٠
قولهم ساحر، وجعل بعضهم * (مسحورا) * بمعنى ساحرا كمستور بمعنى ساتر، وعن أبي عبيدة أن مسحورا بمعنى جعل له سحر أو ذا سحر أي رئة، ومن هذا قول امرء القيس: أرانا موضعين لأمر غيب * ونسحر بالطعام وبالشراب وأراد نغذي، وقول لبيد أو أمية بن أبي الصلت: فإن تسألينا فيم نحن فإننا * عصافير من هذا الأنام المسحر وكنوا بذلك عن كونه بشرا يتنفس ويأكل ويشرب لا يمتاز عنهم بشيء يقتضي اتباعه على زعمهم الفاسد، ولا يخفى ما فيه من البعد حتى قال ابن قتيبة: لا أدري ما الذي حمل أبا عبيدة على هذا التفسير المستكره مع أن السلف فسروه بالوجوه الواضحة. وقال ابن عطية: إنه لا يناسب قوله تعالى:
* (انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) * * (انظر كيف ضربوا لك الأمثال) * أي مثلوك فقالوا تارة شاعرة وتارة ساحرة وتارة مجنون مع علمهم بخلاف * (فضلوا) * في جميع ذلك عن منهاج المحاجة * (فلا يستطيعون سبيلا) * طريقا ما إلى طعن يمكن أن يقبله أحد فيتهافتون ويخبطون ويأتون بما لا يرتاب في بطلانه من سمعه أو إلى سبيل الحق والرشاد، وفيه من الوعيد وتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى.
* (وقالوا أءذا كنا عظ‍اما ورف‍اتا أءنا لمبعوثون خلقا جديدا) * * (وقالوا ءإذا كنا عظاما ورفاتا) * عطف على * (ضربوا) * ولما عجب من ضربهم الأمثال عطف عليه أمرا آخر يعجب منه أيضا. وفي " الكشف " الأظهر أن يكون هذا إلى تمام المقالات الثلاث تفسيرا لضربوا لك الأمثال ألا ترى إلى قوله تعالى: * (واضرب لهم مثلا) * (الكهف: 32) وتفسيره بمثلوك غير ظاهر بل الظاهر مثلوا لك، ولا خفاء إن تجاوب الكلام على ما ذكرنا أتم، وذلك أنه لما ذكر استهزاءهم به صلى الله عليه وسلم وبالقرآن عجبه من استهزائهم بمضمونه من البعث دلالة على أنه أدخل في التعجب لأن العقل أيضا يدل عليه ولكن على سبيل الإجمال، وأما على تفسير * (ضربوا لك الأمثال) * (الإسراء: 48) بمثلوك فوجهه أن يكون معطوفا على قوله سبحانه: * (فضلوا) * لأنه باب من أبواب الضلال أو على مقدر دل عليه كيف ضربوا لأن معناه مثلوك وقالوا شاعر ساحر مجنون وقالوا: * (ائذا كنا) * الخ اه‍.
ولا يخفى أنه على التفسير الذي اختاره يكون * (قالوا) * معطوفا على * (ضربوا) * أيضا عطفا تفسيريا لكن الظاهر فيه حينئذ الفاء وأنه لا يحتاج على ما ذكرنا إلى تكلف العطف على مقدر والارتباط عليه لا يقصر عن الارتباط الذي ذكره، وعطفه على * (فضلوا) * مما لا يحسن لعدم ظهور دخوله معه في حيز الفاء، والاعتراض على التفسير بمثلوك بأنهم ما مثلوه عليه الصلاة والسلام بالشاعر والساحر مثلا بل قالوا تارة كذا وأخرى كذا، وأيضا كان الظاهر أن يقال فيك بدل لك ليس بشيء لأن ما ذكروه على طريق التشبيه لتقريعه صلى الله عليه وسلم وعجزهم عن معارضته، و * (لك) * أظهر من فيك لأنه عليه الصلاة والسلام الممثل له، هذا وأقول: انظر هل ثم مانع من عطف * (قالوا) * على * (يقول الظالمون) * (الإسراء: 47) وجعل هذا القول مما يتناجون به أيضا وإعلانهم به أحيانا لا يمنع من هذا الجعل وكذا اختلاف المتعاطفين ماضوية ومضارعية لا يمنع من العطف، نعم يحتاج إلى نكتة ولا أظنها تخفى فتدبر.
والرفات ما تكسر وبلى من كل شيء، وكثر بناء فعال في كل ما تحطم وتفرق كدقاق وفتات.
وأخرج ابن جرير وغيره عن مجاهد أنه التراب وهو قول الفراء، وأخرج ابن المنذر وغيره عن ابن عباس
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»