تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٩٨
وعزيرا والشمس والقمر والكواكب، وعلى هذا ففي الآية على ما في " البحر " تغليب العاقل على غيره، ومتى صح إدراج الشمس والقمر والكواكب على سبيل التغليب بناء على أنها ليست من ذوي العلم فليدرج سائر ما عبد بالباطل من الأصنام ويرتكب التغليب. وتعقب بأن ما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى من ابتغاء الوسيلة ورجاء الرحمة والخوف من العذاب يؤيد إرادة العقلاء كعيسى وعزير عليهما السلام بناء على أن الأصنام لا يعقل منها ذلك، وارتكاب التغليب هناك أيضا خلاف الظاهر جدا، والدعاء كالنداء لكن النداء قد يقال إذا قيل: يا أو أيا أو نحوهما من غير أن يضم إليه الاسم والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم نحو يا فلان وقد يستعمل كل منهما موضع الآخر، والمراد ادعوهم لكشف الضر الذي هو أولى من جلب النفع وأهم وتوجه القلب إلى من يكشفه أكمل وأتم.
* (فلا يملكون) * فلا يستطيعون بأنفسهم * (كشف الضر عنكم) * كالمرض والفقر والقحط وغيرها * (ولا تحويلا) * ولا نقله منكم إلى غيركم إلى غيركم ممن لم يعبدهم أو ولا تبديله بنوع آخر ومن لا يملك ذلك لا يستحق العبادة إذ شرط استحقاقها القدرة الكاملة التامة على دفع الضر وجلب النفع ولا تكون كذلك إذا كانت مفاضة من الغير، وكأن المراد من نفي ملكهم ذلك نفي قدرتهم التامة الكاملة عليه وكون قدرة الآلهة الباطلة مفاضة منه تعالى مسلم عند الكفرة لأنهم لا ينكرون أنها مخلوقة لله تعالى بجميع صفاتها وأن الله سبحانه أقوى وأكمل صفة منها، وبهذا يتم الدليل ويحصل الإفحام وإلا فنفى قدرة نحو الجن والملائكة الذين عبدوا من دون الله تعالى مطلقا على كشف الضر مما لا يظهر دليله فإنه إن قيل: هو أنا نرى الكفرة يتضرعون إليهم ولا تحصل لهم الإجابة عورض بأنا نرى أيضا المسلمين يتضرعون إلى الله تعالى ولا تحصل لهم الإجابة، وقد يقال: المراد نفي قدرتهم على ذلك أصلا ويحتج له بدليل اوشعري على استناد جميع الممكنات إليه عز وجل ابتداإف.
وفسر بعضهم الضر هنا بالقحط بناء على ما روي أن المشركين أصابهم قحط شديد أكلوا فيه الكلاب والجيف فاستغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليدعو لهم فنزلت، وأنت تعلم أن هذا لا يوجب التخصيص. واستدل بهذه الرواية على أن نفي الاستطاعة مطلقا عن آلهتهم كان إذ ذاك مسلما عندهم وإلا لما تركوها واستغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليدعو لهم وفيه نظر فانظر وتدبر.
* (أول‍ائك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخ‍افون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا) * * (أولئك الذين يدعون) * أي أولئك الآلهة الذين يدعونهم ويسمونهم آلهة أو يدعونهم وينادونهم لكشف الضر عنهم * (يبتغون) * يطلبون باجتهاد لأنفسهم * (إلى ربهم) * ومالك أمرهم * (الوسيلة) * القربة بالطاعة والعبادة فضمير يدعون للمشركين وضمير * (يبتغون) * للمشار إليهم، وقال ابن فورك: الضمير أن للمشار إليهم والمراد بهم الأنبياء الذين عبدوا من دون الله تعالى، ومفعول * (يدعون) * محذوف أي يدعون الناس إلى الحق أو يدعون الله سبحانه ويتضرعون إليه جل وعلا، وعلى هذا لا يتعين كون المراد بهم الأنبياء عليهم السلام كما لا يخفى وهو كما ترى.
وقرأ ابن مسعود. وقتادة * (تدعون) * بالتاء ثالثة الحروف؛ وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما * (يدعون) * بالياء آخر الحروف مبنيا للمفعول، وقرأ ابن مسعود رضي الله تعالى عنه * (إلى ربك) * بكاف الخطاب، واسم
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»