تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ١٠١
سبب خرابها أن بعض أهلها يخرجون مع المهدي إلى الجهاد ثم ترجف بمنافقيها وترميهم إلى الدجال ويهاجر بعض المخلصين إلى بيت المقدس عند إمامهم، ومن بقي منهم تقبض الريح الطيبة روحه فتبقى خاوية، ويأبى كونها سبب خرابها الجوع حسبما سمعت عن الضحاك وابن منبه ظاهر ما أخرجه الشيخان " لتتركن المدينة على خير ما كانت مذللة ثمارها لا يغشاها إلا العوافي الطير والسباع وآخر من يحشر راعيان من مزينة " الحديث.
وأخرج الإمام أحمد بسند رجاله ثقات " المدينة يتركها أهلها وهي مرطبة قالوا: فمن يأكلها؟ قال: السبع والعوافي " وما ذكر من أن مكة تخربها الحبشة ثابت في " الصحيحين " وغيرهما لكن بلفظ " يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة " وفي حديث حذيفة مرفوعا " كأني أنظر إلى حبشي أحمر الساقين أزرق العينين أفطس الأنف كبير البطن وقد صف قدميه على الكعبة هو وأصحاب له ينقضونها حجرا حجرا ويتداولونها بينهم حتى يطرحوها في البحر " وفي حديث أحمد عن أبي هريرة أنه تجىء الحبشة فيخربونه أي البيت خرابا لا يعمر بعده أبدا، نعم اختلف في أنه متى يكون ذلك؟ فقيل: زمن عيسى عليه السلام، وقيل حين لا يبقى على الأرض من يقول الله وهو آخر الآيات، ومال إلى ذلك السفاريني، وظاهر ما تقدم في المدينة من الأخبار بأنها آخر قرى الإسلام خرابا يقتضي أن خراب مكة قبلها والله تعالى أعلم.
وما ذكر في خبر ابن منبه من أن مصر آمنة حتى تخرب الكوفة إن صح يقتضي أن الكوفة تعمر ثم تخرب وإلا فهي قد خربت منذ مئات من السنين وبقيت إلى الآن خرابا، ومصر آمنة عامرة على أحسن حال اليوم وبعمارتها حسبما يقتضيه الخبر جاءت آثار عديدة كما لا يخفى على من طالع الكتب المؤلفة في أمارات الساعة وأخبار المهدي والسفياني إلا أن في أكثرها لمنقر مقالا. وزعم البوني وأضرابه أنها تعمر في أواخر القرن الثالث عشر وقد أخذوا ذلك من كلام الشيخ محي الدين قدس سره، وأنت تعلم أنه أشبه شيء بالهندية ولا يكاد بعد من اللغة العربية، وما ذكر من أن خراب العراق من الجوع يعم بغداد فإنها قاعدته. وقال القاضي عياض في الشفاء: روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: " تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة تنتقل إليها الخزائن يخسف بها " يعني بغداد وهذا صريح في أن هلاكها بالخسف لا بالجوع لكن ذكر المحدثون أن في سند الخبر مجهولا، ثم الظاهر على هذا التفسير أن قوله تعالى: * (أو معذبوها) * الخ مقيد بمثل ما قيد به المعطوف عليه فيكون كل من الإهلاك والتعذيب قبل يوم القيامة أي في الزمان القريب منه وقد شاع استعمال ذلك بهذا المعنى وستسمعه قريبا إن شاء الله تعالى في الحديث وإنكاره مكابرة غير مسموعة وكأنه سبحانه بعد أن ذكر من شأن البعث والتوحيد ما ذكر ذكر بعض ما يكون قبل يوم البعث مما يدل على عظمته سبحانه وفيه تأييد لما ذكر قبله، وقد صح أنه بعد موت عيسى عليه السلام تجىء ريح باردة من قبل الشام فلا تبقى على وجه الأرض أحدا في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته فيبقى شرار الناس وعليهم تقوم الساعة، وجاء في غير ما خبر ما يصيب الناس قبل قيامها من العذاب، فمن ذلك ما أخرجه الطبراني. وابن عساكر عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه لتقصدنكم نار هي اليوم خامدة في واد يقال له برهوت يغشى الناس فيها عذاب أليم تأكل الأنفس والأموال تدور الدنيا كلها في ثمانية أيام تطير طيران الريح والسحاب حرها بالليل أشد من حرها بالنهار ولها بين السماء والأرض دوي كدوي الرعد القاصف قيل: يا رسول الله أسليمة يومئذ على المؤمنين والمؤمنات؟ قال: وأين المؤمنون والمؤمنات الناس يومئذ شر من الحمر يتسافدون كما يتسافد البهائم وليس فيهم رجل يقول
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»