تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٧٨
الثاني، والسابع ترك التبذير؛ والثامن قول القول الميسور، والتاسع العدل في المنع والعطاء، والعاشر ترك القفو لما ليس به علم الصادق على القول بموجب الظن مثلا، والحادي عشر ترك المشي مرحا وترك واحد من هذه الخمسة أيها كان لا يبلغ ترك واحد من الأمور المكلف بها المذكورة في القسم الثاني كما لا يخفى. والثاني من تلك الوجوه الإيمان باتقران خطاب الأمة في النهي عن كبائر خطيرة مثلا بخطابه صلى الله عليه وسلم عما ليس في خطرها إلى أن الذنوب نزداد عظما بعظم مرتكبها فرضا كما يدل عليه آية * (لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاقليلا * إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) * (الإسراء: 74، 75) وكريمة * (يا نساء النبي من يات منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين) * (الأحزاب: 30) وكما اشتهر أن حسنات الأبرار سيئات المقربين أون المقربين على خطر عظيم لكن لم تراع هذه النكتة في النهى عن الشرك إشارة إلى أنه في غاية العطم بحيث لا ينبغي أن يتصور في عظمه ازدياد وتفاوت الأفراد، أو نقول: لما عارضت هذه النكتة نكتة أخرى رجحت لكونها بالرعاية أحرى وهي الإشارة إلى أن الشرك كان عند الله سبحانه عظيما فكرر الخطاب بالنهي عنه تخصيصا وتعميما، وهكذا نقول في عدم رعاية نكتة الوجوه الآتية في التكليف بالتوحيد ولا نعيد. والثالث من تلك الوجوه التنبيه بتعميم الخطاب في النهي عن بعض المعاصي والأمر ببعض الطاعات على أن فتنة فعل تلك المعاصي وترك تلك الطاعات لا تصيب الذين ظلموا خاصة. والرابع منها الإشارة بتعميم الخطاب فيما عمم فيه من المنهيات والمأمورات إلى أن تلك المنهيات كما يجب على كل مكلف الانكفاف عنها يجب عليه كف الغير بحيث لو تركه لكان كفاعله في أنه اقترف كبيرة نهى عنها نهى تلك المنهيات وإلى أن تلك المأمورات كما يجب على الكل أداؤها يجب اجبار التارك على أدائها بحيث لو لم يجبر لكان كتاركها في أنه ترك واجبا أمر به تلك المأمورات وبتخصيص الخطاب فيما خصص فيه إلى أنه ليس بتلك المقابة فإنه وإن وجب إجبار الغير على بعض تكاليفه لكن عسى أن لا يكون تركه كبيرة. والخامس الرمز بتوحيد الخطاب فيما وحد فيه أن تلك الطاعة لا تصدر إلا من الآحاد لأنها لا يوفي حقها إلا المتورعون الصالحون وقليل ما هم بخلاف غيرها فإنه مضبوط.
والسادس: الأشعار بأن التكاليف التي خوطب بها النبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته لا يقوم بها حق القيام إلا هو أو من يقتدي بأنواره ويقتفي لآثاره ويسعى في اتباع سننه القويم ويجتهد، في التخلق بخلقه الكريم بخلاف غيرها مما خوطبوا به صريحا فإنها تأتي من أغلبهم.
والسابع: أنه صرف الخطاب عنه صلى الله عليه وسلم في النهي عن قتل الأولاد والزنا وقتل النفس المحرمة إلا بالحق والتصرف في مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن إشارة إلى أن تلك الشنائع لا يأتيها النبي عليه الصلاة والسلام وإن لم ينه عنها لأن فطرته وفطنته وسلام طبعه اللطيفة واستقامة مزاجه الشرف كانت كافية في كفه عنها، وكذا صرف عنه الخطاب في الأمر بالإحسان بالوالدين والإيفاء بالعهد والوزن بالقسطاس المستقيم إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم يأتي بهذه الأمور وإن لم يؤمر بها لأن ترك مطلق الإحسان بالوالدين لو بلغا لديه الكبر مثلا يلزمه من الفظاظة وغلظة القلب وجفاء الطبع ما كان يأباه طبيعته صلى الله عليه وسلم وكذا الغدر والتطفيف كانا تأباهما أخلاقه الكريمة لكن خوطب بالنهي عن الشرك لأنه ليس للطبع والخلق في التوحيد والشرك دخل. والثامن: أنه تعالى إجلالا لحبيبه صلى الله عليه وسلم لم يخاطبه بنهيه عن فواحش قتل الولد والزنا وقتل النفس بغير حق لئلا يوهم أنه وحاشاه يأتيها قبل النهي، وكذا لم يخاطبه بأمره بالإيفاء بالعهد، والوزن بالقسطاس
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»