تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٦٧
* (إن قتلهم كان خطئا كبيرا) * تعليل آخر ببيان أن المنهي عنه في نفسه منكر عظيم لما فيه من قطع التناسل وقطع النوع، والخطء كالإثم لفظا ومعنى وفعلهما من باب علم. وقرأ أبو جعفر. وابن ذكوان عن عامر * (خطأ) * بفتح الخاء والطاء من غير مد، وخرج ذلك الزجاج على وجهين، الأول: أن يكون اسم مصدر من أخطأ يخطىء إذا لم يصب أي إن قتلهم كان غير صواب، والثاني: أن يكون لغة في الخطا بمعنى الإثم مثل مثل ومثل وحذر وحطر فمن استشكل هذه القراءة بأن الخطأ ما لم يتعمد وليس هذا محله فقد نادى على نفسه بقلة الإطلاع.
وقرأ ابن كثير * (خطأ) * بكسر الخاء وفتح الطاء والمد وخرج على وجهين أيضا. الأول: أن يكون لغة في الخطء بمعنى الإثم مثل دبغ ودباغ ولبس ولباس. والثاني: أن يكون مصدر خاطأ يخاطىء خطاء مثل قاتل يقاتل قتالا.
قال أبو علي الفارسي وإن كنا لم نجد خاطأ لكن وجد تخطأ مطاوعه فدلنا عليه وذلك في قولهم: تخطأت النبل أحشاءه، وأنشد محمد بن السوي في وصف كماءة كما في مجمع البيان: وأشعث قد ناولته أحرش الفرى * أدرت عليه المدجنات الهواضب تخطأه القناص حتى وجدته * وخرطومه في منقع الماء راسب والمعنى على هذا إن قتلهم كان عدولا عن الحق والصواب فقول أبي حاتم إن هذه القراءة غلط غلط.
وقرأ الحسن * (خطاء) * بفتح الخاء والطاء مع المد وهو اسم مصدر أخطىء كالعطاء اسم مصدر أعطى، وقرأ الزهري. وأبو رجاء * (خطا) * بكسر الخاء وفتح الطاء وألف في آخره مبدلة من الهمزة وليس من قصر الممدود لأنه ضرورة لا داعي إليه، وفي رواية عن ابن عامر أنه قرأ * (خطا) * كعصا * (ولا تقربوا الزنى) * بمباشرة مباديه القريبة أو البعيدة فضلا عن مباشرته، والنهي عن قربانه على خلاف ما سبق ولحق للمبالغة في النهي عن نفسه ولأن قربانه داع إلى مباشرته، وفسره الراغب بوطء المرأة من غير عقد شرعي، وجاء في المد والقصر وإذا مد يصح أن يكون مصدر المفاعلة، وتوسيط النهي عنه بين النهي عن قتل الأولاد والنهي عن قتل النفس المحرمة مطلقا كما قال شيخ الإسلام باعتبار أنه قتل للأولاد لما أنه تضييع للأنساب فإن من لم يثبت نسبه ميت حكما. * (إنه كان فاحشة) * فعلة ظاهرة القبح زائدته * (وساء سبيلا) * أي وبئس السبيل سبيلا لما فيه من اختلال أمر الأنساب وهيجان الفتن، وقد روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن " وجاء في غير رواية أنه إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان فوق رأسه كالظلة فإن تاب ونزع رجع إليه وهو من الكبائر، وفاحشة مطلقا على ما أجمع عليه المحققون بل في الحديث الصحيح أنه بحليلة الجار من أكبر الكبائر، وزعم الحليمي أنه فاحشة إن كان بحليلة الجار أو بذات الرحم أو بأجنبية في شهر رمضان أو في البلد الحرام وكبيرة إن كان مع امرأة الأب أو حليلة الابن أو مع أجنبية على سبيل القهر والإكراه وإذا لم يوجب حدا يكون صغيرة، ولا يخفى رده وضعف مبناه، والآية ظاهرة في أنه فاحشة مطلقا نعم أفحش أنواعه الزنا بحليلة الجار، وقال بعضهم: أعظم الزنا على الإطلاق الزنا بالمحارم فقد صحح الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال: * (من وقع على ذات محرم فاقتلوه) * وزنا الثيب أقبح من زنا البكر بدليل اختلاف حديهما، وزنا الشيخ لكمال عقله أقبح من زنا الشاب، وزنا الحر والعالم لكمالهما أقبح من زنا القن والجاهل، وهل هو أكبر من اللواط أم لا؟ فيه خلاف وفي الأحياء أنه أكبر منه لأن الشهوة داعية إليه من
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»