والتقريع زاجرا لمن اعتاده حيث لا يباح ككثير من الناس اليوم. وفي الانتصاف قد حفظ الله تعالى عوام زماننا من هذه المشية وتورط قراؤنا وفقهاؤنا بينا أحدهم قد عرف مسألتين أو أجلس بين يديه طالبين أو نال طرفا من رياسة الدنيا إذ هو يمشي خيلاء ولا يرى أنه يطاول الجبال ولكن يرى أنه يحك بيافوخه عنان السماء كأنهم على هذه الآية لا يمرون أو يمرون عليها وهم عنها معرضون اه.
وإذا كان هذا حال قراء زمانه وفقهائه فماذا أقول أنا في قراء زماني وفقهائهم سوى لا كثر الله تعالى أمثالهم ولا ابتلانا بشيء من أفعالهم وجعلها أفعى لهم.
* (كل ذالك كان سيئه عند ربك مكروها) * * (كل ذالك) * المذكور في تضاعيف الأوامر والنواهي السابقة من الخصال المنحلة إلى نيف وعشرين * (كان سيئه) * وهو ما نهى عنه منها من الجعل مع الله سبحانه إلها آخر وعبادة غيره تعالى والتأفيف والنهر والتبذير وجعل اليد مغلولة إلى العنق وبسطها كل البسط وقتل الأولاد خشية إملاق وقتل النفس التي حرم الله تعالى إلا بالحق وإسراف الولي في القتل وقفو ما ليس بمعلوم والمشي في الأرض مرحا فالإضافة لامية من إضافة البعض إلى الكل * (عند ربك مكروها) * أي مبغضا وإن كان مرادا له تعالى بالإرادة التكوينية وإلا لما وقع كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ يكن وغير ذلك، وليست هذه الإرادة مرادفة أو ملازمة للرضا ليلزم اجتماع الضدين الإرادة المذكورة والكراهة كما يزعمه المعتزلة، وهذا تتميم لتعليل الأمور المنهى عنها جميعا، ووصف ذلك بمطلق الكراهة مع أن أكثره من الكبائر للإيذان بأن مجرد الكراهة عنده تعالى كافية في وجوب الكف عن ذلك، وتوجيه الإشارة إلى الكل ثم تعيين البعض دون توجيهها إليه ابتداء لما قيل: من أن البعض المذكور ليس بمذكور حملة بل على وجه الاختلاط لنكتة اقتضته، وفيه إشعار بكون ما عداه مرضيا عنده سبحانه وإنما لم يصرح بذلك إيذانا بالغني عنه، وقيل اهتماما بشأن التنفير عن النواهي لما قالوا من أن التخلية أولى من التحلية ودرء المفاسد أهم من جلب الصالح، وجوز أن تكون الإضافة بيانية و * (ذلك) * إما إشارة إلى جميع ما تقدم ويؤخذ من المامورات أضدادها وهي منهى عنها كما في قوله تعالى: * (ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) * (الأنعام: 151) بعد قوله سبحانه * (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) * وإما إشارة إلى ما نهى عنه صريحا فقط.
وقرأ الحجازيان والبصريان * (سيئة) * بفتح الهمزة وهاء التأنيث والنصب على أنه خبر كان، والإشارة إلى ما نهى عنه صريحا وضمنا أو صريحا فقط، و * (مكروها) * قيل بدل من * (سيئة) * والمطابقة بين البدل منه غير معتبرة.
وضعف بأن بدل المشتق قليل، وقيل: صفة * (سيئة) * محمولة على المعنى فإنها بمعنى سيئا وقد قرىء به أو أن السيئة قد زال عنها معنى الوصفية وأجريت مجرى الجوامد فإنها بمعنى الذنب أو تجري الصفة على موصوف مذكر أي أمرا مكروها، وقيل: إنه خبر لكان أيضا ويجوز تعدد خبرها على الصحيح، وقيل: حال من المستكن في * (كان) * أو في الظرف بناء على جعله صفة * (سيئة) * لا متعلقا بمكروها فيستتر فيه ضميرها، والحال على هذا مؤكدة.
وأنت تعلم أن ضمير السيئة المستتر مؤنث فجعل مكروها حالا منه كجعله صفة * (سيئة) * في الاحتجاج إلى التأويل. واضمار مذكرا كما في قوله: ولا أرض أبقل ابقالها لا يخفى ما فيه. وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قرأ * (شأنه) *.
* (ذالك ممآ أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلاها ءاخر فتلقى فى جهنم ملوما مدحورا) * * (ذالك) * المتقدم في التكاليف المفصلة * (مما أوحى إليك ربك) * أي بعض منه أو منه جنسه