فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر اقطع لسانه عني أعطه مائة من الإبل وكانوا جميعا من المؤلفة قلوبهم فنزلت، وفيه الآباء السابق كما لا يخفى، وكذا ما أخرجه سعيد بن منصور. وابن المنذر عن سيار أبي الحكم قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بز من العراق وكان معطاء كريما فقسمه بين الناس فبلغ ذلك قوما من العرب فقالوا: نأتي النبي صلى الله عليه وسلم نسأله فوجدوه قد فرغ منه فأنزل الله تعالى الآية.
* (إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) * تعليل لقوله سبحانه * (وإما تعرضن عنهم) * الخ كأنه قيل: إن أعرضت عنهم لفقد الرزق فقل لهم قولا ميسورا ولا تهتم لذلك فإن ذلك ليس لهو إن منك عليه تعالى بل لأن بيده جل وعلا مقاليد الرزق وهو سبحانه يوسعه على بعض ويضيقه على بعض حسبما تتعلق به مشيئته التابعة للحكمة فما يعرض لك في بعض الأحيان من ضيق الحال الذي يحوجك إلى الإعراض ليس إلا لمصلحتك فيكون قوله تعالى: * (ولا تجعل يدك) * الخ معترضا تأكيدا لمعنى ما تقتضيه حكمته عز وجل من القبض والبسط، وقوله تعالى: * (أنه) * سبحانه * (كان) * لم يزل ولا يزال * (بعباده) * جميعهم * (خبيرا) * عالما بسرهم * (بصيرا) * عالما بعلنهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم تعليل لسابقه، وجوز أن يكون ذلك تعليلا للأمر بالاقتصاد المستفاد من النهيين إما على معنى أن البسط والقبض أمران مختصان بالله تعالى وأما أنت فاقتصد واترك ما هو مختص به جل وعلا أو على معنى أنكم إذا تحققتم شأنه تعالى شأنه وأنه سبحانه ييبسط ويقبض وأمعنتم النظر في ذلك وجدتموه تعالى مقتصدا فاقتصدوا أنتم واستنوا بسنته، وجعله بعضهم تعليلا لجميع ما مر وفيه خفاء كما لا يخفى، وجوز كونه تعليلا للنهي الأخير على معنى أنه تعالى يبسط ويقبض حسب مشيئته فلا تبسطوا على من قدر عليه رزقه وليس بشيء. [بم وجوز أيضا كونه تمهيدا لقوله سبحانه:
* (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا) * * (ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق) * واستبعد بأن الظاهر حينئذ فلا.
والإملاق الفقر كما روى عن ابن عباس وأنشد له قول الشاعر: وإني على الإملاق يا قوم ماجد * أعد لأضيافي الشواء المصهبا وظاهر اللفظ النهي عن جميع أنواع قتل الأولاد ذكروا كانوا أو إناثا مخافة الفقر والفارقة لكن روى أن من أهل الجاهلية من كان يئد البنات مخافة العجز عن النفقة عليهن فنهى في الآية عن ذلك فيكون المراد بالأولاد البنات وبالقتل الوأد، والخشية في الأصل خوف يشوبه تعظيم، قال الراغب: وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه.
وقرى بكسر الخاء، والظاهر أن هذا النهي معطوف على ما تقدم من نظيره، وجوز الطبرسي أن يكون عطفه على قوله سبحانه: * (ألا تعبدوا إلا إياه) * (يوسف: 40) وحينئذ فيحتمل أن يكون الفعل منصوبا بأن كما في الفعل السابق.
* (نحن نرزقهم وإياكم) * ضمان لرزقهم وتعليل للنهي المذكور بإبطال موجبه في زعمهم أي نحن نرزقهم لا أنتم فلا تخافوا الفقر بناء على علمكم بعجزهم عن تحصيل رزفهم، وتقديم ضمير الأولاد على ضمير المخاطبين على عكس ما وقع في سورة الأنعام للإشعار بأصالتهم في إفاضة الرزق، وعارض هذه النكتة هناك تقدم ما يستدعي الاعتناء بشأن المخاطبين من الآيات كذا قيل. وجوز المولى شيء الإسلام كون ذلك لأن الباعث على القتل هناك الإملاك الناجز ولذلك قيل من إملاق وههنا الإملاق المتوقع ولذلك قيل: خشية إملاق فكأنه قيل: نرزقهم من غير أن ينقص من رزقكم شيء فيعتريكم ما تخشونه وإياكم أيضا رزقا إلى رزقكم.