تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ١٥٥
بحقيقته المخصوصة فإن أكثر حقائق الأشياء ماهياتها مجهولة ولم يلزم من كونها مجهولة نفيها ويشير إليه * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * (الإسراء: 85) ومبنى هذا أيضا الفرق بين عالم الأمر وعالم الخلق وقد سمعت ما فيه، وحاصل الجواب على الثاني أنه حادث حصل بفعل الله تعالى وتكوينه وإيجاده، وجعل قوله تعالى: * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * احتجاجا على الحدوث بمعنى أن الأرواح في مبدأ الفطرة تكون خالية عن العلوم والمعارف ثم يحصل فيها ذلك فلا تزال في تغير من حال إلى حال وهو من أمارات الحدوث، وأنت تعلم أن حمل السؤال على ما ذكر وجعل الجواب إخبارا بالحدوث مع عدم ملاءمته لحال السائلين لا يساعده التعرض لبيان قلة علمهم فإن ما سألوا عنه مما يفي به علمهم حينئذ وقد أخبر عنه وجعل ذلك احتجاجا على الحدوث من أعجب الحوادث كما لا يخفى على ذي روح والله تعالى أعلم.
وههنا أبحاث لا بأس بإيرادها: البحث الأول: في شرح مذاهب الناس في حقيقة الإنسان، وظاهر كلاء الإمام أن الاختلاف في حقيقته عين الاختلاف في حقيقة الروح، وفي القلب من ذلك ما فيه فذهب جمهور المتكلمين إلى أنه عبارة عن هذه البنية المحسوسة والهيكل المجسم المحسوس وهو الذي يشير إليه الإنسان بقوله وأبطل ذلك الإمام بسبع عشرة حجة نقلية وعقلية لكن للبحث في بعضها مجال، منها ما تقدم من أن أجزاء البنية متغيرة زيادة ونقصانا وذبولا ونموا والعلم الضروري قاض بأن الإنسان من حيث هو أمر باق من أول العمر إلى آخره وغير الباقي غير الباقي، ومنها أن الإنسان قد يعتريه ما يشغله عن الالتفات إلى أجزاء بنيته كلا وبعضا ولا يغفل عن نفسه المعينة بدليل أنه يقول مع ذلك الشاغل فعلت وتركت مثلا وغير المعلوم غير المعلوم.
ومنها أنه قد توجد البنية المخصوصة وحقيقة الإنسان غير حاصلة فإن جبريل عليه السلام كثيرا ما رؤي في صورة دحية الكلبي وإبليس عليه اللعنة رؤي في صورة شيخ نجدي وقد تنتفي البنية مع بقاء حقيقة الإنسان فإن الممسوخ مثلا قردا باقية حقيقته مع انتفاء البنية المخصوصة وإلا لم يتحقق مسخ بل إماتة لذلك الإنسان وخلق قرد، ومنها أنه جاء في الخبر أن الميت إذا حمل على النعش رفرف روحه فوق النعش ويقول: يا أهلي، ويا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي جمعت المال من حله ومن غير حله ثم تركته لغيري فالهناء له والتبعة على فاحذروا مثل ما حل بي فصرح صلى الله عليه وسلم بأن هناك شيئا ينادي غير المحمول كان الأهل أهلا له وكان الجامع للمال من الحلال والحرام وليس ذلك إلا الإنسان إلى غير ذلك مما ذكره في تفسيره، وقيل إن الإنسان هو الروح الذي في القلب، وقيل: إنه جزء لا يتجزأ في الدماغ، وقيل: إنه أجزاء نارية مختلطة بالأرواح القلبية والدماغية وهي المسماة بالحرارة الغريزية، وقيل: هو الدم الحال في البدن، وقيل وقيل إلى نحو ألف قول والمعول عليه عند المحققين قولان، الأول أن الإنسان عبارة عن جسم نوراني علوي حي متحرك مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس سار فيه سريان الماء في الورد والدهن في الزيتون والنار في الفحم لا يقبل التحلل والتبدل والتفرق والتمزق مفيد للجسم المحسوس الحياة وتوابعها ما دام صالحا لقبول الفيض لعدم حدوث ما يمنع من السريان كالأخلاط الغليظة ومتى حدث ذلك حصل الموت لانقطاع السريان والروح عبارة عن ذلك الجسم واستحسن هذا الإمام فقال هو مذهب قوي وقول شريف يجب التأمل فيه فإنه شديد المطابقة لما ورد في الكتب الإلهية من أحوال الحياة والموت، وقال ابن القيم في كتابه - الروح -: إنه الصواب ولا يصح غيره وعليه دل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة وذكر له مائة دليل وخمسة أدلة فليراجع.
(١٥٥)
مفاتيح البحث: الموت (3)، الحج (1)، المنع (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»