فعله من أول مرة على أن ما روي في سبب النزول يقتضي التفسير الأول كما لا يخفى وفسرت الآيات بالمقترحة لأن ما بها إثبات دعوى الرسالة من مقتضيات الإرسال وما زاد على ذلك ولم يكن عن اقتراح لطف من الملك المتعال: * (وءاتينا ثمود الناقة) * عطف على ما يفصح عنه النظم الكريم كأنه قيل: وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون حيث أتيناهم ما اقترحوا على أنبيائهم عليهم السلام من الآيات الباهرة فكذبوها وآتينا ثمود الناقة باقتراحهم على نبيهم صالح عليه السلام وأخرجناها لهم من الصخرة * (مبصرة) * على صيغة اسم الفاعل حال من الناقة، والمراد ذات أبصار أو ذات بصيرة يبصرها الغير ويتبصر بها فالصيغة للنسب أو جاعلة الناس ذوي بصائر على أنه اسم فاعل من أبصره والهمزة للتعدية أي جعله ذا بصيرة وإدراك ويحتمل أن يكون إسناد الإبصار إليها مجازا وهو في الحقيقة حال من يشاهدها. وقرأ قوم * (مبصرة) * بزنة اسم المفعول أي يبصرها الناس ولا خفاء في ذلك. وقرأ قتادة * (مبصرة) * بفتح الميم والصاد أي محل إبصال بجعل الحامل على الشيء بمنزلة محله نحو الولد مبخلة مجبنة. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما * (مبصرة) * بزنة اسم الفاعل والرفع على إضمار مبتدأ أي هي مبصرة. وقرأ الجمهور * (ثمود) * ممنوعا من الصرف، وقال هارون: أهل الكوفة ينونون في كل وجه وقال أبو حاتم لا تنون العامة، والعلماء بالقرآن * (ثمود) * في وجه من الوجوه وفي أربعة مواطن ألف مكتوبة ونحن نقرؤه بغير ألف اه. وهو كما قال الراغب عجمي، وقيل عربي وترك صرفه لكونه اسم قبيلة، وهو فعول من الثمد وهو الماء القليل الذي لا مادة له ومنه قيل: فلان مثمود ثمدته النساء أي قطعن مادة مائة لكثرة غشيانه لهن ومثمود إذا كثر عليه السؤال حتى نفدت مادة ماله وصحح كثير عربيته أي آتينا تلك القبيلة الناقة * (فظلموا بها) * أي فكفروا بها وجحدوا كونها من عند الله تعالى لتصديق رسوله أو فكفروا بها ظالمين أي لم يكتفوا بمجرد الكفر بها بل فعلوا بها ما فعلوا من العقر أو ظلموا أنفسهم وعرضوها للهلاك بسبب عقرها.
ولعل تخصيص إيتائها بالذكر لما أن ثمود عرب مثل أهل مكة المقترحين وأن لهم من العلم بحالهم ما لا مزيد عليه حيث يشاهدون آثار هلاكهم لقرب ديارهم منهم ورودا وصدورا، وجوز أن يكون ذلك لأن الناقة من جهة أنها حيوان أخرج من الحجر أوضح دليل على تحقق مضمون قوله تعالى: * (قل كونوا حجارة أو حديدا) * الخ والأول أقرب * (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) * أي لمن أرسلت عليهم، والمراد بها إما المقترحة فالتخويف بالاستئصال لإنذارها به في عادة الله تعالى أي ما نرسلها إلا تخويفا من العذاب المستأصل كالطليعة له فإن لم يخافوا فعل بهم ما فعل، وأما غيرها كآيات القرآن والمعجزات فالتخويف بعذاب الآخرة دون العذاب الدنيوي بالاستئصال أي ما نرسلها إلا تخويفا وإنذارا بعذاب الآخرة. واستظهر أبو حيان كون المراد بها الآيات التي معها إمهال كالخسوف والكسوف وشدة الرعد والبرق والرياح والزلازل وغور ماء العيون وزيادتها على الحد حتى يغرق منها بعض الأرضين، وعد الحسن من ذلك الموت الذريع أي ما نرسلها إلا تخويفا مما هو أعظم منها.
أخرج ابن جرير عن قتادة قال: إن الله تعالى يخوف الناس بما شاء من آياته لعلهم يعتبون أو يذكرون ويرجعون، وذكر ابن عطية أن آيات الله تعالى المعتبر بها ثلاثة أقسام، قسم عام في كل شيء. ففي كل شيء له آية. تدل على أنه واحد. وهناك فكرة العلماء، وقسم معتاد كالرعد والكسوف وهناك فكرة الجهلة، وقسم