الخلافة إليه مقام ما كانو بنو أمية غضب الله تعالى عليهم يجعلونه في أواخر خطبهم من سب علي كرم الله تعالى وجهه ولعن كل من بغضه وسبه وكان ذلك من أعظم مآثره رضي الله تعالى عنه، وقال غير واحد: لو لم يكن في القرآن غير هذه الآية الكريمة لكفت في كونه تبيانا لكل شيء وهدى. ولعل إيرادها عقيب قوله تعالى: * (ونزلنا عليك الكتاب) * للتنبيه عليه فإنها إذا نظر إلى أنها قد جمعت ما جمعت مع وجازتها استيقظن عيون البصائر وتحركت للنظر فيما عداها. وأخرج أحمد عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا إذ شخص بصره فقال أتاني: جبريل عليه السلام فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع أن الله يأمر الخ.
واستدل بها على أن صيغة أمر تتناول الواجب والمندوب وموضوعها القدر المشترك وتحقيق ذلك في الأصول.
* (يعظكم) * أي ينبهكم بما يأمر وينهى سبحانه أحسن تنبيه، وهو إما استئناف وإما حال من الضمير في الفعلين * (لعلكم تذكرون) * طلبا لأن تتعظوا بذلك وتنتبهوا.
* (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون) * .
* (وأوفوا بعهد الله) * قال قتادة. ومجاهد: نزلت فيما كان من تحالف الجاهلية في أمر بمعروف أو نهي عن منكر، وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عن مزيدة بن جابر أنها نزلت في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم كان من أسلم بايع على الإسلام، وظاهره أنها في البيعة على الإسلام مطلقا، فالمراد بعهد الله تعالى البيعة كما نص عليه غير واحد. واعترض بأن الظاهر أنه عام في كل موثق وهو الذي يقتضيه كلام ميمون بن مهران، وسبب النزول ليس من المخصصات، ولذا قالوا: الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وأجيب بأن قرينة التخصيص قوله تعالى فيما قبل: * (إن الذين كفروا) * الآية، وفيه نظر، وقال الأصم: المراد به الجهاد وما فرض في الأموال من حق ولا يلائمه قوله تعالى: * (إذا عاهدتم) * وقيل: المراد به النذر، وقيل: اليمين وتعقب ذلك الإمام بأنه حينئذ يكون قوله تعالى:
* (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) * تكرارا لأن الوفاء بالعهد والمنع من النقض متقاربان لأن الأمر بالفعل يستلزم النهي عن الترك، وإذا حمل العهد على العموم بحيث دخل تحته اليمين كان هذا من باب تخصيص بعض الأفراد بالذكر للاعتناء به وبعض من فسر العهد بالبيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمل الأيمان على ما وقع عند تلك البيعة، وجوز بعضهم حملها على مطلق الأيمان.
وفي " الحواشي السعدية " أن الظاهر أن المراد بها الأشياء المحلوف عليها كما في قوله عليه الصلاة والسلام: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " لأنه لو كان المراد ذكر اسم الله تعالى كان عين التأكيد لا المؤكد فلم يكن محل ذكر العطف كما تقرر في المعاني ورد بأن المراد بها العقد لا المحلوف عليه لأن النقض إنما يلائم العقد ولا ينافي ذلك قوله تعالى: * (بعد توكيدها) * لأن المراد كون العقد مؤكدا بذكر الله تعالى لاب ذكر غيره كما يفعله العامة الجهلة فالمعنى أن ذلك النهي لما ذكر لا عن نقض الحلف بغير الله تعالى وقال الواحدي: إن قوله سبحانه: * (بعد توكيدها) * لإخراج لغو اليمين نحو لا والله بلى والله بناء على أن المعنى بعد توكيدها بالعزم والعقد ولغو اليمين ليست كذلك. ثم إذا حمل الأيمان على مطلقها فهو - كما قال الإمام - عام دخله التخصيص بالحديث السابق الدال على أنه متى كان الصلاح في نقض اليمين جاز نقضها. وتعقب بأن فيه تأملا لأن الحظر لو لم يكن باقيا لما احتيج إلى الكفارة الساترة للذنب. وأجيب بأن وجوب الكفارة بطريق الزجر إذ أصل الايمان الانعقاد ولو محظورة فلا ينافي لزوم موجبها، وجوز أن يقال: إن ذلك للإقدام على الحلف بالله