المتضمن للكفر به وبيان ما يؤول إليه حالهم، والقائل أهل مكة قال مقاتل: نزلت الآية في عبد الله بن أمية. والنضر بن الحرث. ونوفل بن خويلد. والوليد بن المغيرة وهم الذين قالوا له صلى الله عليه وسلم: * (يا أيها الذي نزل عليه الذكر) * أي القرآن، وخاطبوه عليه الصلاة والسلام بذلك مع أنهم الكفرة الذين لا يعتقدون نزول شيء استهزاء وتهكما وإشعارا بعلة حكمهم الباطل في قولهم: * (إنك لمجنون) * يعنون يا من يدعي مثل هذا الأمر العظيم الخارق للعادة إنك بسبب تلك الدعوى متحقق جنونك على أتم وجه، وهذا كما يقول الرجل لمن يسمع منه كلاما يستبعده: أنت مجنون، وقيل: حكمهم هذا لما يظهر عليه عليه الصلاة والسلام من شبه الغشي حين ينزل عليه الوحي بالقرآن، والأول على ما قيل هو الأنسب بالمقام، وذهب بعضهم إلى أن المقول الجملة المؤكدة دون النداء أما هو فمن كلام الله تعالى تبرئة له عليه الصلاة والسلام عما نسبوه إليه من أول الأمر. وتعقب بأنه لا يناسب قوله تعالى: * (إنا نحن نزلنا الذكر) * الخ فإنه كما سيأتي إن شاء الله تعالى رد لإنكارهم واستهزائهم، وقد يجاب بأن ذلك على هذا رد لما عنوه في ضمن قولهم المذكور لكن الظاهر كون الكل كلامهم. وقد سبقهم إلى نظيره فرعون عليه اللعنة بقوله في حق موسى عليه السلام: * (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون) * (الشعراء: 27) وتقديم الجار والمجرور على نائب الفاعل كما قيل لأن إنكارهم متوجه إلى كون النازل ذكرا من الله تعالى لا إلى كون المنزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تسليم كون النازل منه تعالى كما في قوله سبحانه: * (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) * (الزخرف: 31) فإن الإنكار هناك متوجه إلى كون المنزل عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وإيراد الفعل على صيغة المجهول لإيهام أن ذلك ليس بفعل له فاعل أو لتوجيه الإنكار إلى كون التنزيل عليه لا إلى إسناده إلى الفاعل. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما نزل عليه الذكر بتخفيف * (نزل) * مبنيا للفاعل ورفع * (الذكر) * على الفاعلية، وقرىء * (يا أيها الذي ألقى عليه الذكر) *. قال أبو حيان: وينبغي أن تجعل هذه القراءة تفسيرا لمخالفتها سواد المصحف.
* (لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين) * .
* (لوما تأتينا) * كلمة * (لوما) * كلولا تستعمل في أحد معنيين امتناع الشيء لوجود غيره والتحضيض وعند إرادة الثاني منها لا يليها إلا فعل ظاهر أو مضمر وعند إرادة الأول لا يليها إلا اسم ظاهر أو مقدر عند البصريين، ومنه قول ابن مقبل: لوما الحياة ولوما الدين عبتكما * ببعض ما فيكما إذ عبتما عورى وعن بعضهم أن الميم في * (لوما) * بدل من اللام في لولا، ومثله استولى واستومى وخاللته وخالمته فهو خلي وخلمي أي صديقي. وذكر الزمخشري أن * (لو) * تركب مع لا وما لمعنيين وهل لا تركب إلا مع لا وحدها للتحضيض، واختار أبو حيان فيهما البساطة وأن الميم ليست بدلا من اللام، وقال المالقي: أن * (لوما) * لا ترد إلا للتحضيض وهو محجوج بالبيت السابق، وأيا ما كان فالمراد هنا التحضيض أي هلا تأتينا * (بالملائكة) * يشهدون لك ويعضدونك في الإنذار كقوله تعالى حكاية عنهم: * (لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا) * أو يعاقبون على تكذيبك كما كانت تأتي الأمم المكذبة لرسلهم * (إن كنت من الصادقين) * في دعواك أن قدرة الله تعالى على ذلك مما لا ريب فيه وكذا احتياجك إليه في تمشية أمرك إذ لا نصدقك في ذلك الأمر الخطير بدونه أو إن كنت من