الحقيقية لم يحصل الإيمان بالغيب ولم يتحقق الاختيار الذي هو مدار التكليف وإن كان وهم بصور البشر حصل اللبس فكان وجوده كعدمه ولزم التسلسل، ويمنع من التنزيل بالهلاك كما فعل مع أضرابهم من المعاندين أنا جعلناهم منظرين فلو نزلنا الملائكة وأهلكناهم عاد ذلك بالنقض لما أبرمناه حسبما نعلم فيه من الحكم، وقيل: في توجيه الآية على تقدير كون اقتراحهم لإتيان الملائكة لتعذيبهم: إن المعنى إنا ما ننزل الملائكة للتعذيب إلا تنزيلا ملتبسا بما تقتضيه الحكمة ولو نزلناهم حسبما اقترحوا ما كان ذلك ملتبسا بما تقتضيه لأنها اقتضت تأخير عذابهم إلى يوم القيامة، وحيث كان في نسبة تنزيلهم للتعذيب إلى عدم موافقة الحكمة نوع إيهام لعدم استحقاقهم التعذيب عدل عما يقتضيه الظاهر إلى ما عليه النظم الكريم فكأنه قيل: لو نزلناهم ما كانوا منظرين وذلك غير موافق للحكمة، فتدبر جميع ذاك والله تعالى يتولى هداك، هذا ولفظة * (إذا) * قال في " الكشاف ": جواب وجزاء لأن الكلام جواب لهم وجزاء لشرط مقدر أي ولو نزلنا، وصرح بإفادتها هذا المعنى سيبويه إلا أن الشلوبين حمل ذلك على الدوام وتكلف له، وأبو علي على الغالب، وقد تتمحض للجواب عنده، وهي حرف بسيط عند الجمهور، وذهب قوم إلى أنها اسم ظرف وأصلها إذا الظرفية لحقها التنوين عوضا من الجملة المضاف إليها ونقلت إلى الجزائية فبقي فيها معنى الربط والسبب؛ وذهب الخليل إلى أنها حرف تركب من إذ وإن غلب عليها حكم الحرفية ونقلت حركة الهمزة إلى الذال ثم حذفت والتزم هذا النقل فكان المعنى إذا قال القائل أزورك فقلت إذا أزورك قلت حينئذ زيارتي واقعة ولا يتكلم بهذا.
وذهب أبو علي عمر بن عبد المجيد الزيدي إلى أنها مركبة من إذا وإن وكلاهما يعطي ما يعطي كل واحدة منهما فيعطي الربط كإذا والنصب كان ثم حذفت همزة إن ثم ألف إذا لالتقاء الساكنين، والظاهر أنه لو قدر في الكلام شرط كانت لمجرد التأكيد، وجعلوا من ذلك قوله تعالى: * (ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا) * (البقرة: 145) الخ، ونقل عن الكافيجي أنه قال في مثل ذلك: ليست إذا هذه الكلمة المعهودة وإنما هي إذا الشرطية حذفت جملتها التي تضاف إليها وعوض عنها التنوين كما في يومئذ، وله سلف في ذلك فقد قال الزركشي في البرهان بعد ذكره: لإذا معنيين وذكر لها بعض المتأخرين معنى ثالثا وهو أن تكون مركبة من إذا التي هي ظرف زمان ماض ومن جملة بعدها تحقيقا أو تقديرا لكنها حذفت تخفيفا وأبدل منها التنوين كما في قولهم حينئذ، وليست هذه الناصبة للمضارع لأن تلك تختص به وهذه لا بل تدخل على الماضي نحو * (إذا لأمسكتم) * وعلى الاسم نحو * (وإنكم إذا لمن المقربين) * (الشعراء: 42) ثم قال: وهذا المعنى لم يذكره النحويون لكنه قياس ما قالوه في إذ، وفي التذكرة لأبي حيان ذكر لي علم الدين أن القاضي تقي الدين بن رزين كان يذهب إلى أن تنوين إذا عوض من الجملة المحذوفة وليس قول نحوي، وقال الجوني: وأنا أظن أنه يجوز أن تقول لمن قال: أنا آتيك إذا أكرمك بالرفع على معنى إذا أتيتني أكرمك فحذفت أتيتني وعوضت التنوين فسقطت الألف لالتقاء الساكنين والنصب الذي اتفق عليه النحاة لحملها على غير هذا المعنى وهو لا ينفي الرفع إذا أريد بها ما ذكر.
وذكر الجلال السيوطي أن الإجماع في القرآن على كتابتها بالألف والوقف عليه دليل على أنها اسم منون لا حرف آخره نون خصوصا إذا لم تقع ناصبة للمضارع، فالصواب إثبات هذا المعنى لها كما جنح إليه شيخنا الكافيجي ومن سبق النقل عنه، وعلى هذا فالأولى حملها في الآية على ما ذكر، وقد ذكرنا فيما مضى بعضا من هذا الكلام فتذكر، ثم إنه تعالى رد إنكارهم التنزيل واستهزاءهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وسلاه