بما يعقبه من قوله تعالى:
* (ولقد أرسلنا من قبلك فى شيع الاولين) *.
* (ولقد أرسلنا) * أي رسلا كما روي عن ابن عباس وإنما لم يذكر لظهور الدلالة عليه * (من قبلك) * متعلق بأرسلنا أو بمحذوف وقع نعتا لمفعوله المحذوف أي رسلا كائنة من قبلك * (في شيع الأولين) * أي فرقهم كما قال الحسن. والكلبي، وإليه ذهب الزجاج، وهو وكذا أشياع جمع شيعة وهي والفرقة الجماعة المتفقة على طريقة ومذهب مأخوذ من شاع المتعدي بمعنى تبع لأن بعضهم يشايع بعضا ويتابعه، وتطلق الشيعة على الأعوان والأنصار، وأصل ذلك على ما قيل من الشياع بالكسر والفتح صغار الحطب يوقد به الكبار، والمناسبة في ذلك نظرا للإطلاق الثاني ظاهرة وللإطلاق الأول أن التابع من حيث أنه تابع أصغر ممن يتبعه، وإضافته إلى الأولين من إضافة الموصوف إلى صفته عند الفراء ومن حذف الموصوف عند البصريين أي شيع الأمم الأولين، والجار والمجرور متعلق بأرسلنا. ومعنى إرسال الرسل في الشيع جعل كل منهم رسولا فيما بين طائفة منهم ليتابعوه في كل ما يأتي ويذر من أمور الدين وكأنه لو قيل - إلى - بدل * (في) * لم يظهر إرادة هذا المعنى، وقيل: إنما عدل عن إلى إليها للإعلام بمزيد التمكين، وزعم بعضهم أن الجار والمجرور متعلق بمحذوف هو صفة للمفعول المقدر أو حال ولا يخفى بعده.
* (وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون) * .
* (وما يأتيهم من رسول) * حكاية حال ماضية كما قال الزمخشري لأن * (ما) * لا تدخل على مضارع إلا وهو في موضع الحال ولا على ماض إلا وهو قريب من الحال وهو قول الأكثرين، وقال بعضهم: إن الأكثر دخول * (ما) * على المضارع مرادا به الحال وقد تدخل عليه مرادا به الاستقبال، وأنشد قول أبي ذؤيب: أودي بني وأودعوني حسرة * عند الرقاد وعبرة ما تقلع وقول الأعشى يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: له نافلات ما يغب نوالها * وليس عطاء اليوم مانعه غدا وقال تعالى: * (ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي) * (يونس: 15) ولعله المختار وان كان ماهنا على الحكاية، والمراد نفي أتيان كل رسول لشيعته الخاصة به لا نفي اتيان كل رسول لكل واحدة من تلك الشيع جميعا أو على سبيل البدل أي ما أتى شيعة من تلك الشيع رسول خاص بها * (إلا كانوا به يستهزئون) * كما يفعله هؤلاء الكفرة، والجملة - كما قال أبو البقاء - في محل النصب على أنها حال من ضمير المفعول في يأتيهم إن كان المراد بالإتيان حدوثه أو في محل الرفع أو الجر على أنها صفة رسول على لفظه أو موضعه لأنه فاعل، وتعقب جعلها صفة له باعتبار لفظه بأنه يفضي إلى زيادة من الاستغراقية في الإثبات لمكان * (إلا) * وتقدير العمل في النعت بعدها.
وجوز أن تكون نصبا على الاستثناء وان كان المختار الرفع على البدلية، وهذا كما ترى تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن هذه شنشنة جهال الأمم مع المرسلين عليهم السلام قبل، وحيث كان الرسول مصحوبا بكتاب من عند الله تعالى تضمن ذكر استهزائهم بالرسول استهزاءهم بالكتاب [بم ولذلك قال سبحانه:
* (كذلك نسلكه فى قلوب المجرمين) * .
* (كذلك) * أي مثل السلك الذي سلكناه في قلوب أولئك المستهزئين برسلهم وبما جاؤوا به * (نسلكه) * أي ندخله يقال: سلكت الخيط في الإبرة والسنان في المطعون أي أدخلت: وقرىء * (نسلكه) * وسلك وأسلك