تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٧
التكثير أو التقليل إنما يكون فيما عرف حده والمستقبل مجهول كقوله:
ربما أوفيت في علم * ترفعن ثوبي شمالات وقد يليها المضارع * (كربما يود) * الآية وقد يليها الجملة الاسمية نحو: ربما الجامل المؤبل فيهم وقد لا تكف نحو: ربما ضربة بسيف صقيل * بين بصري وطعنة نجلاء وقيل: يتعين بعدها الفعلية إذا كفت وإليه ذهب الفارسي وأول البيت على أن ما نكرة موصوفة بجملة حذف مبتدأها أي رب شيء هو الجامل، وقد يحذف الفعل بعدها كقوله: فذلك أن يلق الكريهة يلقها * حميدا وأن يستغن يوما فربما وقد تلحق بها ما ولا تكف كقوله: ماوى يا ربتما غارة * شعواء كالكية بالميسم انتهى.
وبنحو تأويل الفارسي البيت أول بعضهم الآية فقال: إن * (ما) * نكرة موصوفة بجملة * (يود) * إلى آخره والعائد محذوف، والفعل المتعلق به رب محذوف أي رب شيء يوده الذين كفروا تحقق وثبت ونحوه قول ابن أبي الصلت: ربما تجزع النفوس من الأمر * له فرجة كحل العقال والتزم كون المتعلق محذوفا لأنها حينئذ لا يجوز تعلقا بيود ولا بد لها من فعل تتعلق به على ما صححه جمع، وأما على ما اختاره الرضى من كونها مبتدأ لا خبر هل والمعنى قليل أو كثير وداد الذين كفروا فلا حاجة إليه، وهذا التأويل على ما قال السمرقندي أحد قولي البصريين، وتعقبه العلامة التفتازاني بأنه لا يخفى ما فيه من التعسف وبتر النظ الكريم أي قطع * (لو كانوا مسلمين) * عما قبله، ووجه التعسف أن المعنى على تقليل أو تكثير ودادهم لا على تقليل أو تكثير شيء إلا أن يراد رب شيء يودونه من حيث إنهم يودونه، والمختر عندي ما اختاره أبو حيان وكذا صاحب اللب من أن رب تدخل على الماضي والمضارع إلا أن دخولها على الماضي أكثر، ومن تتبع أشعار العرب رأى فيها مما دخلت فيه على المضارع ما يبعد ارتكاب التأويل معه كما لا يخفى على المنصف المتتبع واختلفوا في مفادها هنا فذهب جمع كثير إلى أنه التقليل وهو ظاهر أكثر الآثار حيث دلت على أن ودادهم ذلك عند خروج عصاة المسلمين من جهنم وبقائهم فيها. نعم زعم بعضهم أن الحق أن ما فيها محمول على شدة ودادهم إذ ذاك وأن نفس الوداد ليس مختصا بوقت دون وقت بل هو متقرر مستمر في كل آن يمر عليهم.
ووجه الزمخشري الاتيان بأداة التقليل على هذا بأنه وارد على مذهب العرب في قولهم: لعلك ستندم على فعلك وربما ندم الإنسان على ما فعل ولا يشكون في تندمه ولا يقصدون تقليله ولكنهم أرادوا لو كان الندم مشكوكا فيه أو قليلا لحق عليك أن لا تفعل هذا الفعل لأن العقلاء يتحرزون من التعرض للغم المطنون كما يتحرزون من التعرض للغم المتيقن ومن القليل منه كما من الكثير، وكذلك المعنى في الآية لو كانوا يودون الإسلام مرة واحدة بالبحري أن يسارعوا إليه فكيف وهم يودونه في كل ساعة اه‍.
والكلام عليه على ما قيل من الكناية الإيمامية وفي لك من المبالغة ما لا يخفى، قال ابن المنير: لا شك أن العرب تعبر عن المعنى بما يؤدي عكس مقصوده كثيرا، ومنه والله تعالى أعلم * (قد تعلمون أني رسول الله إليكم) * (الصف: 5) المقصود منه توبيخهم على أذاهم لموسى عليه السلام على توفر علمهم برسالته ومناصحته لهم، وقوله: قد أترك القرن مصفرا أنامله
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»