من أن القياس الحنث، ووجه الاستحسان أن التسمية القرآنية مجازية لأن منشأ اللحم والدم ولا دم في السمك لسكونه الماء مع انتقاضه بالإلية فإنها تنعقد من الدم ولا يحنث بأكلها. واعترض بأنه يجوز أن يكون في المسألة دليلان ليس بينهما تناف، وما ذكر من النقض مدفوع بأن المذكور كل لحم ينشأ من الدم ولا يلزم عسكه الكليء وتعقب بأن إطلاق اللحم على السمك لغة لا شبهة فيه فينتقض الطرد والعكس فمراد المعترض الرد عليه بزيادة في الإلزام. نعم قد يقال: مراده بالمجاز المذكور أنه مجاز عرفي كالدابة إذا أطلقت على الإنسان فيرجع كلامه إلى ما قاله الإمام وحينئذ لا غبار عليه، وما ذكر بيان لوجه الاستعمال العرفي فلا يرد عليه شيء وهو كما ترى، وعلى طرز ما قاله الإمام يقال فيمن حلف لا يركب دابة فركب كافرا أنه لا يحنث مع أن الله سبحانه سمى الكافر دابة في قوله تعالى: * (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا) * وفي " الكشاف " بيانا لعدم إطلاق اللحم على السمك عرفا أنه إذا قال واحد لغلامه اشتر بهذه الدراهم لحما فجاء بالسمك كان حقيقا بالإنكار عليه أي وهو دليل على عدم إطلاق اللحم عليه في العرف فحيث كانت الإيمان مبنية على العرف لم يحنث بأكله. واعترض بأنه لو قال لغلامه: اشتر لحما فاشترى لحم عصفور كان حقيقا بالإنكار مع الحنث بأكله. وتعقب بأن الإنكار إنماجاء من ندرة اشتراء مثله لأنه غير متعارف وفيما نحن فيه اشتراء السمك ولحمه متعارف فليس محل الإنكار إلا عدم إطلاق اللحم عليه * (وتستخرجوا منه حلية) * كاللؤلؤ والمرجان * (تلبسونها) * أي تلبسها نساءكم وجهه ذلك بأنه أسند إلى الرجال لاختلاطهم بالنساء وكونهم متبوعين أو لأنهم سبب لتزينهن فإنهن يتزين ليحسن في أعين الرجال فكان ذلك زينتهم ولباسهم.
قال ابن المنير: ولله تعالى در مالك رضي الله تعالى عنه حيث جعل للزوج الحجر على زوجته فيما له بال من مالها، وذلك مقدر بالزائد على الثلث لحقه فيه بالتجمل، فانظر إلى مكنة حظ الرجال من مال النساء ومن زينتهن حتى جعل كحظ المرأة من مالها وزينتها فعبر عن حظه في لبسها بلبسه كما يعبر عن حظها سواء مؤيدا بالحديث المروي في الباب اه. ويفهم منه جواز اعتبار المجاز في الطرف، وصرح بذلك بعضهم وفسر * (تلبسون) * بتتمتعون وتتلذذون، ويجوز أن يكون المجاز في النقص وما أظهر في التفسير مراد في النظم، وقيل: الكلام على التغليب أو من باب بنو فلان قتلوا زيدا ففيه إسناد ما للبعض إلى الكل. وتعقب بأنه وجه لكلا الوجهين أما الأول: فلعدم التلبس بالمسند وهو اللبس، وأما الثاني: فلأنه لا يتم بدون المجاز في الطرف فلا وجه للعدول عن اعتباره على النحو السابق، إلى هذا، وقال بعضهم: لا حاجة إلى كل ذلك فإنه لا مانع من تزين الرجال باللؤلؤ. وتعقب بأنه بعد تسليم أنه لا مانع منه شرعا مخالف للعادة المستمرة فيأباه لفظ المضارع الدال على خلافه، ولا يصح ما يقال: إن في " البحر " زمرذا بحريا وبفرض الصحة يجيء هذا أيضا، ولعله لما أن النساء مأمورات بالحجاب وإخفاء الزينة عن غير المحارم اخفي التصريح بنسبة اللبس إليهن ليكون اللفظ كالمعنى. واستدل أبو يوسف ومحمد عليهما الرحمة بالآية على أن اللؤلؤ يسمى حليا حتى لو حلف لا يلبس حليا فلبسه حنث. وأبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يقول: لا يحنث لأن الؤلؤ وحده لا يسمى حليا في العرف وبائعه لا يقال له الحلي كذا في أحكام الجصاص. واستدل بعضهم بالآية على أنه لا زكاة في حلي النساء، فأخرج ابن جرير عن أبي جعفر أنه سئل هل في حلي النساء صدقة؟ قال: لا هي كما قال الله تعالى * (حلية تلبسونها) * وهو كما ترى، ثم إن اللحم الطري يخرج من البحر العذب والبحر