و * (من) * متعلق - بتأكلوا - أو حال مما بعده وهي ابتدائية، وجوز أن تكون تبعيضية والكلام على حذف مضاف أي من حيوانه، وحينئذ يجوز أن من اللحم الطري لحم السمك كما يجوز أن يراد منه السمك، والطري فعيل من طرو يطرو طراوة مثل سرو يسرو سراوة، وقال الفراء: من طري يطري طراء وطراوة كشقي يشقى شقاء وشقاوة، والطراوة ضد اليبوسة، ووصفه بذلك للإشعار بلطافته والتنبيه إلى أنه ينبغي المسارعة إلى أكله فإنه لكونه رطبا مستعد للتغير فيسرع إليه الفساد والاستحالة، وقد قال الأطباء: إن تناوله بعد ذهاب طراوته من أضر الأشياء ففيه إدماج لحكم طبي؛ وهذا على ما قيل لا ينافي تقديده وأكله محللا كما توهم، وفي جعل البحر مبتدأ أكله على أحد الاحتمالين إيذان بالمسارعة أيضا.
وزعم بعضهم أن في الوصف إيذانا أيضا بكمال قدرته تعالى في خلقه عذبا طريا في ماء مر لا يشرب، وفيه شيء لا يخفى، ولا يؤكل عندنا من حيوان البحر إلا السمك، ويؤيده تفسير اللحم به المروى عن قتادة. وغيره، وعن مالك. وجماعة من أهل العلم إطلاق جميع ما في البحر، واستثنى بعضهم الخنزير. والكلب. والإنسان، وعن الشافعي أنه أطلق ذلك كله، ويوافقه ما أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي أنه قال: هو السمك وما في البحر من الدواب. نعم يكره عندنا أكل الطافي منه وهو الذي يموت حتف أنفه في الماء فيطفو على وجه الماء لحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ما نضب الماء عنه فكلوا وما لفظه الماء فكلوا وما طفا فلا تأكلوا وهو مذهب جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وميتة البحر في خبر " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ما لفظه ليكون موته مضافا إليه لا ما مات فيه من غير آفة، وما قطع بعضه فمات يحل أكل ما أبين وما بقي لأن موته بآفة وما أبين من الحي فهو ميت وإن كان ميتا فميتته حلال، ولو وجد في بطن السمكة سمكة أخرى تؤكل لأن ضيق المكان سبب موتها، وكذا إذا قتلها طير الماء وغيره أو ماتت في جب ماء، وكذا إن جمع السمك في حظيرة لا يستطيع الخروج منه وهو يقدر على أخذه بغير صيد فمات فيها، وإن كان لا يؤخذ بغير صيد فلا خير في أكله لأنه لم يظهر لموته سبب، وإذا ماتت السمكة في الشبكة وهي لا تقدر على التخلص منها أو أكلت شيئا ألقاه في الماء لتأكل منه فماتت منه وذلك معلوم فلا بأس بأكلها لأن ذلك في معنى ما انحسر عنه الماء، وفي موت الحر والبرد روايتان: إحدهما وهي مروية عن محمد يؤكل لأنه مات بسبب حادث وكان كما لو ألقاه الماء على اليبس. والأخرى ورويت عن الإمام أنه لا يؤكل لأن الحر والبرد صفتان من صفة الزمان وليسا من أسباب الموت في الغالب، ولا بأس بأكل الجريث والمارماهي، واشتهر عن الشيعة حركة أكل الأول فليراجع، واستدل قتادة كما أخرج ابن أبي شيبة عنه بالآية على حنث من حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا لما فيها من إطلاق اللحم عليه، وروي ذلك عن مالك أيضا. وأجيب بأن مبنى الإيمان على ما يتفاهمه الناس في عرفهم لا على الحقيقة اللغوية ولا على استعمال القرآن، ولذا لما أفتى الثوري بالحنث في المسألة المذكورة للآية وبلغ أبا حنيفة عليه الرحمة قال للسائل: ارجع واسأله عمن حلف لا يجلس على بساط فجلس على الأرض هل يحنث لقوله تعالى: * (جعل لكم الأرض بساطا) * (نوح: 19) فقال له: كأنك السائل أمس؟ فقال: نعم، فقال: لا يحنث في هذا ولا في ذاك ورجع عما أفتى به أولا، والظاهر أن متمسك الإمام قد كان العرف وهو الذي ذهب إليه ابن الهمام لا ما في الهداية كما قال