تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٥٧
أن يرسيها قال: * (بسم الله) * فترسو، وإما في موضع الحال من ضمير الفلك أي اركبوا فيها مجراة ومرساة باسم الله وهي حال مقدرة إذ لا إجراء ولا إرساء وقت الركوب كذا قيل، وتعقبه في التقريب بأن الحال إنما تكون مقدرة إذا كانت مفردة كمجراة أما إذا كانت جملة فلا لأن معنى الجملة اركبوا وإجراؤها * (بسم الله) * وهذا واقع حال الركوب انتهى، وأجاب عنه في " الكشف " بأنه لا فرق بين قوله تعالى: * (ادخلوها خالدين) * (الزمر: 73) وقول القائل: ادخلوها وأنتم مخلدون في عدم المقارنة والرجوع إلى الحال المقدرة فكذلك ما نحن فيه، واعترض على المجيب بأن مراد ذلك القائل إجراؤها مجرى المفرد على نحو كلمته فوه إلى في بأنه تكلف لا حاجة إليه، وهو غير مسلم في المستشهد به أيضا، وإنما ذلك في قول القائل كلمته فاه إلى في انتهى، وكأنه لم ينكشف له مراد صاحب التقريب فإنهم ذكروا أن الفرق بين الحال إذا كانت مفردة وإذا كانت جملة أن الثانية تقتضي التحقق في نفسها والتلبس بها، وربما أشعرت بوقوعها قبل العامل واستمرارها معه كما إذا قلت: جاءني وهو راكب فإنه يقتضي تلبسه بالركوب واستمراره عليه، وهذا ينافي كونها منتظرة ولا أقل من أن لا يحسن الحمل عليه حيث تيسر الإفراد فافهم، وجوز أن تكون حالا مقدرة أيضا من فاعل * (اركبوا) *، واعترض بأنه لا عائد على ذي الحال، وضمير * (بسم الله) * للمبتدأ وتقديره أي فاجراؤها معكم أو بكم كائن * (بسم الله) * تكلف، والقول بأن الرضى قد ذكر أن الجملة الحالية إذا كانت اسمية قد تخلو من الرابطين عند ظهور الملابسة نحو خرجت زيد على الباب ليس بشيء لضعف ما ذكر في العربية فلا ينبغي التخريج عليه نعم كون الاسمية لا بد فيها من الواو والقول بأن الحال المقدرة لا تكون جملة مطلقا كل منهما في حيز المنع كما لا يخفى. وجوز أن يكون الاسم مقحما كما في قول لبيد: فقوما وقولا بالذي قد عرفتما * ولا تخمشا وجها ولا تحلقا الشعر إلى الحول ثم اسم السلام عليكما * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر ويراد بالله إجراؤها وإرساؤها أي بقدرته أو بأمره أو بإذنه، ويقدر ذلك أو يراد معنى، وخص بعضهم هذا الجواز بما إذا لم يقدر مسمين أو قائلين إذ لا يظهر المعنى حينئذ، ويجري على تقديري الكلام الواحد والكلامين، وكذا على تقدير الزمان والمكان في رأي، ويعتبر الإسناد مجازيا من قبيل نهاره صائم وطريق بر.
وقرأ - مجراها ومرساها - بفتح الميم مصدرين. أو زمانين. أو مكانين على أنهما من جرى ورسا الثلاثيين، وقرأ مجاهد - مجريها ومرسيها - بصيغة اسم الفاعل، وخرج ذلك أبو البقاء على أنهما صفتان للاسم الجليل، وقيل عليه: إن أضافة اسم الفاعل إذا كان بمعنى المستقبل لفظية فهو نكرة لا يصح توصيف المعرفة به فالحق البدلية، والقول بأن مراد المعرب الصفة المعنوية لا النعت النحوي فلا ينافي البدلية بعيد لكن عن الخليل إن ما كانت إضافته غير محضة قد يصح أن تجعل محضة فتعرف إلا ما كان من الصفة المشبهة فلا تتمحض إضافتها فلا تعرف، والرسو الثبوت والاستقرار، ومنه قول الشاعر: فصبرت نفسا عند ذلك حرة * (ترسو) إذا نفس الجبان تطلع * (إن ربي لغفور رحيم) * قيل: الجملة مستأنفة لبيان الموجب أي لولا مغفرته لفرطانكم ورحمته إياكم لما أنجاكم من هذه الطامة إيمانكم، وفيه دلالة على أن نجاتهم لم تكن عن استحقاق بسبب أنهم كانوا مؤمنين بل بمحض رحمة الله تعالى وغفرانه على ما عليه أهل السنة، ومنع صلاحية كونها علة - لاركبوا - لعدم المناسبة
(٥٧)
مفاتيح البحث: اللبس (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»