تسع ذلك عادة أو معجزة وقدرة الله تعالى أجل من أن تضيق عن ذلك، وإن قيل بالعموم على وجه يبقى معه بعض الجبال جاز أن يقال: إنه عليه السلام لم يحمل إلا مما لا مهرب له ويضر فقده بجماعته، ولو قيل: إن العموم على إطلاقه وأنه عليه السلام لم يحمل في السفينة إلا ما تتسع له عادة مما يحتاج إليه لئلا يضيق أصحابه ذرعا بفقده بالكلية حسبما تقتضيه الطباع البشرية وغرق ما عدا ذلك لكن الله تعالى جلت قدرته خلق نظير ما غرق بعد على الوجه الذي فعل قبل لم يكن ذلك بدعا ممن أمره بين الكاف والنون جل شأنه وعظم سلطانه.
هذا وإنما قدم ذلك على أهله وسائر المؤمنين قيل: لكونه عريقا بالحمل المأمور به لأنه يحتاج إلى مزاولة الأعمال منه عليه السلام في تمييز بعض عن بعض وتعيين الأزواج، وأما البشر فإنما يدخل الفلك باختياره فيخف فيه معنى الحمل، أو لأن ذلك إنما يحمل بمباشرة البشر وهم إنما يدخلونها بعد حملهم إياه، ويجوز أن يكون التقديم حفظا للنظم الكريم عن الانتشار، وأيا ما كان فقوله سبحانه: * (وأهلك) * عطف على * (زوجين) * أو على * (اثنين) * والمراد بأهله على ما في بعض الآثار امرأته المسلمة وبنوه منها وهم سام عليه السلام - وهو أبو العرب - وأصله على ما قال البكري: بالشين المعجمة، وحام - وهو أبو السودان - قيل: إنه أصاب زوجته في السفينة فدعا نوح عليه السلام أن تغير نطفته فغيرت، وأخرج ابن المنذر. وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن أبي صالح، ويافث كصاحب - وهو أبو الترك ويأجوج ومأجوج - وزوجة كل منهم * (إلا من سبق عليه القول) * بأنه من المغرقين لظلمهم، وذلك في قوله سبحانه: * (ولا تخاطبني في الذين ظلموا) * (المؤمنون: 27) الآية، والمراد زوجة له أخرى تسمى واعلة بالعين المهملة، وفي رواية والقة. وابنه منها كنعان وكان اسمه فيما قيل: يام وهذا لقبه عند أهل الكتاب وكانا كافرين، وفي هذا دلالة على أن الأنبياء عليهم السلام يحل لهم نكاح الكافرة بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: * (يا أيها النبي إنا أحللنا لك) * (الأحزاب: 50) الآية، والاستثناء جوز أن يكون متصلا إن أريد بالأهل الأهل إيمانا، وأن يكون منقطعا إن أريد به الأهل قرابة، ويكفى في صحة الاستثناء المعلومية عند المراجعة إلى أحوالهم والتفحص عن أعمالهم، وجيء بعلي لكون السابق ضارا لهم كما جيء باللام فيما هو نافع في قوله تعالى: * (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) * (الصافات: 171) وقوله سبحانه: * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) * (الأنبياء: 101) * (ومن ءامن) * عطف على الأهل أي والمؤمنين من غيرهم وإفراد أولئك منهم للاستثناء المذكور، وإيثار صيغة الافراد في * (آمن) * محافظة على لفظ * (من) * للإيذان بالقلة كما أفصح عن ذلك قوله تعالى: * (ومآ ءامن معه إلا قليل) * قيل: كانوا سبعة زوجته. واتاؤه الثلاثة. وكنائنه الثلاث، وروي هذا عن قتادة. والحكم بن عقبة. وابن جريج. ومحمد بن كعب، ويرده عطف * (ومن آمن) * على الأهل إلا أن يكون الأهل بمعنى الزوج فإنه قد ثبت بهذا المعنى لكن قبل: إنه خلاف الظاهر، والاستثناء عليه منقطع أيضا، وعن ابن إسحق أنهم كانوا عشرة خمسة رجال وخمس نسوة، وعنه أنهم كانوا مع نوح عليه السلام عشرين نصفهم رجال ونصفهم الآخر نساؤهم، وقيل: كانوا ثمانية وسبعين نصفهم ذكور ونصفهم أناث، وقيل: كانوا ثمانين رجلا وثمانين امرأة - وقيل: وقيل - والرواية الصحيحة أنهم كانوا تسعة وسبعين، زوجته. وبنوه الثلاثة. ونسائهم. واثنان وسبعون رجلا. وامرأة من غيرهم من بني شيث، واعتبار المعية في الإيمان للإيماء إلى المعية في مقر الإيمان والنجاة.
* (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربى لغفور رحيم) * * (وقال) * أي نوح عليه السلام لمن معه من المؤمنين كما ينبىء عنه قوله تعالى: * (إن ربي لغفور رحيم) * (هود: 41).