تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ١٨٥
والحاصل أن الغلط في دعوى نبوتهم إنما جاء من ظن أنهم هم الأسباط وليس كذلك إنما الاسباط أمة عظيمة، ولو كان المراد بالأسباط أبناء يعقوب لقال سبحلنه ويعقوب وبنيه فانه أبين وأوجز لكنه عبر سبحانه بذلك إشارة إلى أن النبوة حصلت فيهم من حين تقطيعهم أسباطا من عهد موسى عليه السلام فليحفظ.
هذا ولما نبهه عليه السلام على أن لرؤياه شأنا عظيما وحذره مما حذره شرع في تعبيرها وتأويلها على وجه إجمالي فقال:
* (وكذالك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث ويتم نعمته عليك وعلى ءال يعقوب كمآ أتمهآ على أبويك من قبل إبراهيم وإسح‍اق إن ربك عليم حكيم) * * (وكاذلك يجتبيك ربك) * أي يصطفيك ويختارك للنبوة كما روي عن الحسن، أو للسجود لك كما روي عن مقاتل، أو لأمور عظام كما قال الزمخشري، فيشمل ما تقدم وكذا يشمل إغناء أهله ودفع القحط عنهم ببركته وغير ذلك، ولعل خير الأقوال وسطها؛ وأصل الاجتباء من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك وفسره بالاختيار لأنه إنما يجتبى ما يختار.
وذكر بعضهم أن اجتباء الله تعالى العبد تخصيصه أياه بفيض الهي يتحصل منه أنواع من المكرمات بلا سعي من العبد وذلك مختص بالأنبياء عليهم السلام، ومن يقاربها من الصديقين والشهداء والصالحين، والمشار إليه بذلك إما الاجتباء لمثل تلك الرأيا فالمشبه به متغايران، وإما لمصدر الفعل المذكور وهو المشبه والمشبه به، * (وكذلك) * في محل نصب صفة لمصدر مقدر وقدم تحقيق ذلك، وقيل هنا: إن الحار والمجرور خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك وليس الأمر كذلك، ولا يخفى ما في ذكر الرب مضافا إلى ضمير المخاطب من اللطف، وإنما لم يصرح عليه السلام بتفاصيل ما تدل عليه الرؤيا حذرا من إذاعته على ما قيل: * (ويعلمك) * ذهب جمع إلى أنه كلام مبتدأ غير داخل تحت التشبيه أراد به عليه السلام تأكيد مقالته وتحقيقها وتوطين نفس يوسف عليه السلام بما أخبر به على طريق التعبير والتأويل أي وهو * (يعلمك) * * (من تأويل الأحاديث) * أي ذلك الجنس من العلوم، أو طرفا صالحا منه فتطلع على حقيقة ما أقول ولا يخفى ما فيه من تأكيد ما سبق والبعث على تلقي ما سيأتي بالقبول، وعلل عدم دخوله تحت التشبيه بأن الظاهر أن يشبه الاجتباء بالاجتباء والتعليم غير الاجتباء فلا يشبه به، ونظر فيه بأن التعليم نوع من الاجتباء والنوع يشبه بالنوع، وقيل: العلة في ذلك أنه يصير المعنى ويعلمك تعليما مثل الاجتباء بمثل هذه الرؤيا ولا يخفى سماجته فان الاجتباء وجه الشبه بين المشبه والمشبه به ولم يلاحظ في التعليم ذلك.
وقال بعض المحققين: لا مانع من جعله داخلا تحت التشبيه على أن المعنى بذلك الإكرام بتلك الرؤيا أي كما أكرمك بهذه المبشرات يكرمك بالاجتباء والتعليم ولا يحتاج في ذلك إلى جعله تسبيهين وتقدير كذلك، وأنت تعلم أن المنساق إلى الفهم هو العطف ولا بأس فيما قرره هذا المحقق لتوجيهه، نعم للاستئناف وجه وجيه وإن لم يكن المنساق إلى الفهم؛ والظاهر أن المراد من تأويل الأحاديث تعبير الرأيا إذ هي إخبارات غيبة يخلق الله تعالى بواسطتها اعتقادات في قلب النائم حسبما يشاؤه ولا حجر عليه تعالى. أو أحاديث الملك إن كانت صادقة. أو النفس أو الشيطان إن لم تكن كذلك، وذكر الراغب أن التأويل من الأول وهو الرجوع، وذلك رد الشيء إلى الغاية المرادة منه علما كان أو فعلا، فالأول كقوله سبحانه: * (وما يعلم تأويله إلا الله) * (آل عمران: 7) والثاني كقوله: وللنوي قبل يوم البين تأويل وجاء الأول بمعنى السياسة التي يراعى مآلها يقال: ألنا وايل علينا اه‍.
وشاع التأويل في إخراج الشيء عن ظاهر، و * (الأحاديث) * جمع تكسير لحديث على غير قياس كما قالوا:
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»