تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ١٨٨
والدليل إذا طرقه الاحتمال بطل به الاستدلال ورؤيتهم كواكب يهتدي بأنوارها بمعزل عن أن تكون دليلا على أن مصيرهم إلى النبوة، وإنما تكون دليلا على أن مصيرهم إلى كونهم هادين للناس وهو مما لا يلزمه النبوة فقد قال صلى الله عليه وسلم: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " ونحن لا ننكر أن القوم صاروا هادين بعد أن من الله تعالى عليهم بالتوبة بل هم لعمري حينئذ من أجلة أصحاب نبيهم، وقد يقال أيضا: إنه لو دل يؤيتهم كواكب على أن مصبرهم إلى النبوة لكانت رؤية أمه قمرا أدل على ذلك ولا قائل به.
وقال بعضهم: لا مانع من أن يراد - بآل يعقوب - سائر بنيه، و - باتمام النعمة - إتمامها بالنبوة لكن لا يثبت بذلك نبوتهم بعد لجواز أن يراد * (يتم نعمته عليك) * بالنبوة * (وعلى آل يعقوب) * بشيء آخر كالخلاص من المكروه مثلا، وهذا كقولك: أنعمت على زيد. وعلى عمرو وهو لا يقتضي أن يكون الانعام عليهما من نوع واحد لصدق الكلام بأن يكون قد أنعمت على زيد بمنصب. وعلى عمرو باعطائه ألف دينار، أو بتخليصه من ظالم مثلا وهو ظاهر.
ورجح بعضهم حمل الآل على ما يعم الأبناء بأنه لو كان المراد الأبناء لكان الأظهر الأخصر وعلى إخوتك بدل ما في النظم الجليل، وقيل: إنما اختار ذلك عليه لأنه يتبادر من الإخوة الإخوة الذي نهى عن الاقتصاص عليهم فلا يدخل بنيامين، والمراد إدخاله، وقيل: المراد - بآل يعقوب - أتباعه الذين على دينه.
وقيل: يعقوب خاصة على أن الآل بمعنى الشخص ولا يخفى ما في القولين من البعد، وأبعدهما الأخير ومن جعل إتمام النعمة إشارة إلى الملك جعل العطف باعتبار أنهم يغتنمون آثاره من العز والجاه والمال هذا.
* (كما أتمها على ابويك من قبل إبراهيم وإسحق) * أي إتماما كائنا كاتمام نعمته على أبويك من قبل هذا الوقت أو من قبلك، والإسمان الكريمان عطف بيان - لأبويك - والتعبير عنهما بالأب مع كونهما أبا جده وأبا أبيه للاشعار بكمال ارتباطه بالأنبياء عليهم اللام وتذكير معنى الولد سر أبيه ليطمئن قلبه بما أخبر به، وإتمام النعمة على إبراهيم إما بالنبوة. وإما باتخاذه خليلا. وإما بانجائه من نار عدوه. وإما من ذبح ولده. وإما بأكثر من واحد من هذه، وعلى إسحق إما بالنبوة. أو باخراج يعقوب من صلبه. أو بانجائه من الذبح وفدائه بذبح عظيم على رواية أنه الذبيح، وذهب إليه غير واحد، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه، وأمر التشبيه على سائر الاحتمالات سهل إذ لا يجب أن يكون من كل وجه والاقتصار في المشبه به على ذكر إتمام النعمة من غير تعرض للاجتباء من باب الاكتفاء كما قيل فإن إتمام النعمة يقتضي سابقة النعمة المستدعية للاجتباء لا محالة ومعرفته عليه السلام لما أخبر به مما لم تدل عليه الرؤيا إما بفراسة، وكثيرا ما تصدق فراسة الوالد بولده كيفما كان الوالد، فما ظنك بفراسته إذا كان نبيا. أو بوحي؟ وقد يدعى أنه استدل بالرؤيا على كل ذلك * (إن ربك عليم) * بكل شيء فيعلم من يستحق المذكورات * (حكيم) * فاعل لكل شيء حسبما تقتضيه الحكمة فيفعل ما يفعل جريا على سنن علمه وحكته، والجلمة استئناف لتحقيق الجمل المذكورة.
* (لقد كان فى يوسف وإخوته ءايات للسآئلين) * * (لقد كان في يوسف وإخوته) * أي في قصصهم، والظاهر أن المراد بالإخوة هنا ما أريد بالإخوة فيما مر، وذهب جمع إلى أنهم هناك بنو علاته، وجوز أن يراد بهم ههنا ما يشمل من كان من الأعيان لأن لبنيامين أيضا حصة من القصة، ويبعده على ما قيل: * (قالوا) * الآتي * (ءايات) * علامات عظيمة الشأن دالة على عظيم قدرة
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»