تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ١٨١
قد صغر الجوهر في ثغره * لكنه تصغير تحبيب ويحتمل أن يكون لذلك ولصغر السن، وفتح الياء قراءة حفص، وقرأ الباقون بكسرها، والجملة استئناف مبني على سؤال كأنه قيل: فماذا قال الأب بعد سماع هذه الرأية العجيبة من ابنه؟ فقيل: قال: * (يا بني) * * (لا تقصص رءياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا) * أي فيحتالوا لإهلاكك حيلة عظيمة لا تقدر على التفصي عنها أو خفية لا تتصدى لمدافعتها، وإنما قال له ذلك لما أنه عليه السلام عرف من رؤياه أن سيبلغه الله تعالى مبلغا جليلا من الحكمة ويصطفيه للنبوة وينعم عليه بشرف الدارين فخاف عليه حسد الاخوة وبغيهم فقال له ذلك صيانة لهم من الوقوع فيما لا ينبغي في حقه وله من معاناة المشاق ومقاساة الأحزان وإن كان واثقا بأنهم لا يقدرون على تحويل ما دلت عليه الرؤيا وأنه سبحانه سيحقق ذلك لا محالة وطمعا في حصوله بلا مشقة وليس ذلك من الغيبة المحظورة في شيء، والرؤيا - مصدر رأى - الحلمية الدالة على ما يقع في النوم سواء كان مرئيا أم لا على ما هو المشهور، والرؤية - مصدر رأى - البصرية الدالة على إدراك مخصوص، وفرق بين مصدر المعنيين بالتأنيثين، ونظير ذلك القربة للتقرب المعنوي بعبادة ونحوها، والقربى للتقرب النسبي وحقيقتها عند أهل السنة كما قال محيى الدين النووي نقلا عن المازني: أن الله سبحانه يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان وهو سبحانه يخلق ما يشاء لا يمنعه نوم ولا يقظة، وقد جعل سبحانه تلك الاعتقادات علما على أمور أخر يخلقها في ثاني الحال، ثم إن ما يكون علما ما يسر يخلقه بغير حضرة الشيطان. وما يكون علما على ما يضريخلقه بحضرته. ويسمى الأول رؤيا وتضاف إليه تعالى إضافة تشريف، والثاني حلما وتضاف إلى الشيطان كما هو الشائع من إضافة الشيء المكروه إليه، وإن كان الكل منه تعالى، وعلى ذلك جاء قوله صلى الله عليه وسلم: " الرؤيا من الله تعالى والحلم من الشيطان " وفي الصحيح عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله تعالى فليحمد الله تعالى وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم ومن شرها ولا يذكرها لأحد فانها لن تضره ".
وصح عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فيبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم وليتحول عن جنبه الذي كان عليه " ولا يبعد جعل الله تعالى ما ذكر سببا للسلامة عن المكروه كما جعل الله الصدقة سببا لدفع البلاء وإن لم نعرف وجه مدخلية البصق عن اليسار والتحول عن الجنب الذي كان عليه مثلا في السببية، وقيل: هي أحاديث الملك الموكل بالأرواح إن كانت صادقة. ووسوسة الشيطان والنفس إن كانت كاذبة، ونسب هذا إلى المحدثين، وقد يجمع بين القولين بأن مقصود القائل بأنها اعتقادات يخلقها الله تعالى في قلب الخ أنها اعتقادات تخلق كذلك بواسطة حديث الملك. أو بواسطة وسوسة الشيطان مثلا، والمسببات في المشهور عن الاشاعرة مخلوقة له تعالى عنه الأسباب لا بها فتدبر.
وقال غير واحد من المتفلسفة هي انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلى الحس المشترك، والصادقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ فتتصور بما فيها مما يليق بها من المعاني الحاصلة هناك، ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبها فترسلها إلى الحس المشترك فتصير مشاهدة، ثم إن كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بالكلية والجزئية استغنت عن التعبير وإلا احتاجت إليه.
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»