أن المعنى أنها جاءت من عن ربك، وعن أبي بكر الهذلي أنها معدة عنده سبحانه.
وقال ابن الأنباري: المراد ألزم هذا التسويم للحجارة عنده تعالى إيذانا بقدرته وشدة عذابه فليفهم.
* (وما هي) * أي الحجارة الموصوفة بما ذكر * (من الظالمين) * من كل ظالم * (ببعيد) * فانهم بسبب ظلمهم مستحقون لها، وفيه وعيد لأهل الظلم كافة، وروي هذا عن الربيع.
وأخرج ابن جيرير. وغيره عن قتادة أن المراد من الظالمين ظالمو هذه الأمة، وجاء في خبر ذكره الثعلبي، وقال فيه العراقي: لم أقف له على إسناد أنه صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عليه السلام عن ذلك فقال: يعني ظالمي أمتك ما من ظالم منهم إلا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة، وقيل: المراد بالظالمين قوم لوط عليه السلام، والمعنى لم تكن الحجارة لتخطئهم.
وعن ابن عباس أن المعنى وما عقوبتهم ممن يعمل عملهم ببعيد، وظاهره أن الضمير للعقوبة المفهومة من الكلام، و * (الظالمين) * من يشبههم من الناس، ويمكن أن يقال: إن مراده بيان حاصل المعنى لا مرجع الضمير.
وذهب أبو حيان إلى أن الظاهر أن يكون ضمير * (هي) * للقرى التي جعل * (عاليها سافلها) * والمراد من * (الظالمين) * ظالمو مكة، وقد كانت قريبة إليهم يمرون عليها في أسفارهم إلى الشام، وتذكير - البعيد - يحتمل أن يكون على تأويل الحجارة بالحجر المراد به الجنس، أو إجرائه على موصوف مذكر أي بشيء بعيد، أو بمكان بعيد فإنها وإن كانت في السماء وهي في غاية البعد من الأرض ءلا أنها إذا هوت منها فهي أسرع شيء لحوقا بهم فكأنها بمكان قريب منهم، أو لأنه على زنة المصدر - كالزفير. والصهيل - والمصادر يستوي في الوصف بها المذكر والمؤنث.
* (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إلاه غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إنىأراكم بخير وإنىأخاف عليكم عذاب يوم محيط) * * (وإلى مدين) * أي أولاد مدين بن إبراهيم عليه السلام فحذف المضاف أو جعل اسما بالغلبة للقبيلة وكثيرا ما تسمى القبيلة باسم أبيهم - كمضر. وتميم - ولعل هذا أولى، وجوز أن يراد بمدين المدنية التي بناها مدين فسميت به فيقدر حينئذ مضاف أي وإلى أهل مدين * (أخاهم) * نسيبهم * (شعيبا) * قد مر ما قيل في نسبه عليه السلام، والجملة معطوفة على قوله سبحانه: * (وإلى ثمود أخاهم صالحا) * (الأعراف: 73) أي وأرسلنا إلى مدين شعيبا.
* (قلب ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إلاه غيره) * أمر بالتوحيد على وجه أكيد ولما كان ملاك الأمر قدمه على النهي عما اعتادوه من البخس المنافي للعدل المخل بحكمة التعاوض، وإيصال الحقوق لأصحابها بقوله: * (ولا تنقصوا المكيال والميزان) * قيل: أي لا تنقصوا الناس من المكيال والميزات يعني مما يكال ويوزن على ذكر المحل وإرادة الحال، واستظهر أن المراد لا تنقصوا حجم المكيال عن المعهود وكذا الصنجات، وقد تقدم في الاعراف * (الكيل) * بدل * (المكيال) * فتذكر وتأمل * (إني أراكم بخير) * أي ملتبسين بثروة واسعة تغنيكم عن ذلك أو بنعمة من الله تعالى حقها أن تقابل بغير ما أنتم عليه بأن تتفضلوا على الناس شكرا عليها، فإن أجل شكر النعم الإحسان والتفضل على عباد الله تعالى، أو أراكم بخير وغنى فلا تزيبلوه بما تأتونه من الشر، وعلى كل حال الجملة في موضع التعليل للنهي؛ وعقب بعلة أخرى أعني قوله تعالى:
* (وإني أخاف عليكم) * إن لم تنتهوا عن ذلك * (عذاب يوم محيط) * وجوز أن يكون تعليلا للأمر والنهي جميعا، وفسر المحيط بما لا يشذ منه أحد منهم، وفسره الزمخشري، بالمهلك أخذا من قوله تعالى: