تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ٥٨
سورة يونس مكية على المشهور واستثنى منها بعضهم ثلاثة آيات * (فلعلك تارك) * (هود: 114) * (أفمن كان على بينة من ربه) * (هود: 17) * (وأقم الصلاة طرفي النهار) * (هود: 114) قال: إنها نزلت في المدينة، وحكى ابن الفرس. والسخاوي أن من أولها إلى رأس أربعين آية مكي والباقي مدني، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما روايتان، فأخرج ابن مردويه من طريق العوفي عنه ومن طريق ابن جريج عن عطاء عنه أنها مكية، وأخرج من طريق عثمان بن عطاء عن أبيه عنه أنها مدنية، والمعول عليه عند الجمهور الرواية الأولى، وآياتها مائة وتسع عند الجميع غير الشامي فإنها عنده مائة وعشر آيات.
ووجه مناسبتها لسورة براءة أن الأولى ختمت بذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه ابتدأت به، وأيضا أن في الأولى بيانا لما يقوله المنافقون عند نزول سورة من القرآن وفي هذه بيان لما يقوله الكفار في القرآن حيث قال سبحانه: * (أم يقولون افتراه قل فائتوا بسورة مثله) * (يونس: 38) الآية، وقال جل وعلا: * (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله) * (يونس: 15) وأيضا في الأولى ذم المنافقين بعدم التوبة والتذكر إذا أصابهم البلاء في قوله سبحانه: * (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون) * (التوبة: 126) على أحد الأقوال وفي هذه ذم لمن يصيبه البلاء فيرعوي ثم يعود وذلك في قوله تعالى: * (وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه) * (يونس: 12) وفي قوله سبحانه: * (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين) * (يونس: 22) إلى أن قال سبحانه: * (فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق) * (يونس: 23) وأيضا في الأولى براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين مع الأمر بقتالهم على أتم وجه وفي هذه براءته صلى الله عليه وسلم من عملهم لكن من دون أمر بقتال بل أمر فيها عليه الصلاة والسلام أن يظهر البراءة فيها على وجه يشعر بالإعراض وتخلية السبيل كما قيل على ضد ما في الأولى وهذا نوع من المناسبة أيضا وذلك في قوله تعالى: * (وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برىء مما تعملون) * (يونس: 41) إلى غير ذلك، والعجب من الجلال السيوطي عليه الرحمة كيف لم يلح له في تناسق الدرر وجه المناسبة بين السورتين وذكر وجه المناسبة بين هذه السورة وسورة الأعراف وقد يوجد في الإسقاط ما لا يوجد في الاسفاط.
* (الر تلك ءاي‍ات الكت‍ابالحكيم) * * (بسم الله الرحما - ن الرحيم * الر) * بتفخيم الراء المفتوحة وهو الأصل وأمال أبو عمرو وبعض القراء إجراء لألف الراء مجرى الألف المنقلبة عن الياء فإنهم يميلونها تنبيها على أصلها، وفي الإمالة هنا دفع توهم أن - را - حرف كما ولا فقد صرحوا أن الحروف يمتنع فيها الإمالة، وقرأ ورش بين بين، والمراد من * (الر) * على ما روى جماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنا الله أرى، وفي رواية أخرى لنها بعض الرحمن وتمامه حم ون، وعن قتادة أنها بعض الراحم وهو من أسماء القرآن، وقيل: هي أسماء للأحرف المعلومة من حروف التهجي أتى بها مسرودة على نمط التعديد بطريق التحدي وعليه فلا محل لها من الإعراب، والكلام فيها وفي نظائرها شهير.
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»