تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ٥٧
إشارة إلى الجهاد الأكبر ولعله تعليم لكيفية النفر المطلوب وبيان لطريق تحصيل الفقه أي قاتلوا كفار قوى نفوسكم بمخالفة هواها، وفي الخبر " أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك " * (وليجدوا فيكم غلظة) * أي قهرا وشدة حتى تبلغوا درجة التقوى * (واعلموا أن الله مع المتقين) * (التوبة: 123) بالولاية والنصر * (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين) * أي يصيبهم بالبلاء ليتوبوا * (ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون) * (التوبة: 126) وفي الأثر البلاء سوط من سياط الله تعالى يسوق به عباده إليه ويرشد إلى ذلك قوله تعالى: * (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين) * (لقمان: 168) وقوله تعالى: * (وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما) * (يونس: 12) وبالجملة إن البلاء يكسر سورة النفس فيلين القلب فيتوجه إلى مولاه إلا أن من غلبت عليه الشقاوة ذهب منه ذلك الحال إذا صرف عنه البلاء كما يشير إليه قوله تعالى: * (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) * (العنكبوت: 65) وقوله سبحانه: * (فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه) * (يونس: 12) * (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) * أي من جنسكم لتقع الألفة بينكم وبينه فإن الجنس إلى الجنس يميل وحينئذ يسهل عليكم الاقتباس من أنواره صلى الله عليه وسلم. وقرىء كما قدمنا * (من أنفسكم) * أي أشرفكم في كل شيء ويكفيه شرفا أنه عليه الصلاة والسلام أول التعينات وأنه كما وصفه الله تعالى على خلق عظيم. وعلى تفنن واصفيه بوصفه * يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف * (عزيز عليه ما عنتم) * أي يشق عليه عليه الصلاة والسلام مشقتكم فيتألم صلى الله عليه وسلم لما يؤلمكم كما يتألم الشخص إذا عرا بعض أعضائه مكروه، وعن سهل أنه قال: المعنى شديد عليه غفلتكم عن الله تعالى ولو طرفة عين فإن العنت ما يشق ولا شيء أشق في الحقيقة من الغفلة عن المحبوب * (حريص عليكم) * أي على صلاح شأنكم أو على حضوركم وعدم غفلتكم عن مولاكم جل شأنه * (بالمؤمنين رؤوف) * يدفع عنهم ما يؤذيهم * (رحيم) * (التوبة: 128) يجلب لهم ما ينفعهم، ومن آثار الرأفة تحذيرهم من الذنوب والمعاصي ومن آثار الرحمة إضافته صلى الله عليه وسلم عليهم العلوم والمعارف والكمالات، قال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه: علم الله تعالى عجز خلقه عن طاعته فعرفهم ذلك لكي يعلموا أنهم لا ينالون الصفو من خدمته فأقام سبحانه بينه وبينهم مخلوقا من جنسهم في الصورة فقال: * (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) * وألبسه من نعته الرأفة الرحمة وأخرجه إلى الخلق سفيرا صادقا وجعل طاعته طاعته وموافقته موافقته فقال سبحانه: * (من يطع الرسول فقد أطاع الله) * (النساء: 80) ثم أفرده لنفسه خاصة وآواه إليه بشهوده عليه في جميع أنفاسه وسلى قلبه عن إعراضهم عن متابعته بقوله جل شأنه: * (فإن تولوا) * وأعرضوا عن قبول ما أنت عليه لعدم الاستعداد وزواله * (فقل حسبي الله) * لا حاجة لي بكم كما لا حاجة للإنسان إلى العضو المتعفن الذي يجب قطعه عقلا فالله تعالى كافي * (لا إله إلا هو) * فلا مؤثر غيره ولا ناصر سواه * (عليه توكلت) * لا على غيره من جميع المخلوقات إذ لا أرى لأحد منهم فعلا ولا حول ولا قوة إلا بالله * (وهو رب العرش العظيم) * (التوبة: 129) المحيط بكل شيء، وقد ألبسه سبحانه أنوار عظمته وقواه على حمل تجلياته ولولا ذلك لذاب بأقل من لمحة عين، وإذا قرىء * (العظيم) * بالرفع فهو صفة للرب سبحانه، وعظمته جل جلاله مما لا نهاية لها وما قدروا الله حق قدره نسأله بجلاله وعظمته أن يوفقنا لا تمام تفسير كتابه حسبما يحب ويرضى فلا إله غيره ولا يرجى إلا خيره.
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»