تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ٢٤
كما في قولهم كم أبني وتهدم وعليه قوله: متى يبلغ البنيان يوما تمامه * إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم وحاصله أن الوصف للتأكيد وفائدته دفع المجاز، وهذا نظير ما قالوا في قوله سبحانه: * (وكلم الله موسى تكليما) * (النساء: 164) وفيه بحث.
والاستثناء في قوله تعالى: * (إلا أن تقطع قلوبهم) * من أعم الأوقات أو أعم الأحوال وما بعد إلا في محل النصب على الظرفية أي لا يزال بنيانهم ريبة في كل وقت إلا وقت تقطع قلوبهم أو في كل حال إلا حال تقطعها أي تفرقها وخروجها عن قابلية الإدراك وهذا كناية عن تمكن الريبة في قلوبهم التي هي محل الإدراك وإضمار الشرك بحيث لا يزوب منها ما داموا أحياء إلا إذا تقطعت وفرقت وحينئذ تخرج منها الريبة وتزول، وهو خارج مخرج التصوير والفرض، وقيل: المراد بالتقطع ما هو كائن بالموت من تفرق أجزاء البدن حقيقة وروي ذلك عن بعض السلف. وأخرج ابن المنذر. وغيره عن أيوب قال: كان عكرمة يقرأ * (إلا أن تقطع قلوبهم في القبور) * وقيل: المراد إلا أن يتوبوا ويندموا ندامة عظيمة تفتت قلوبهم وأكبادهم فالتقطع كناية أو مجاز عن شدة الأسف. وروى ذلك ابن أبي حاتم عن سفيان، وتقطع من التفعل بإحدى التاءين والبناء للفاعل أي تتقطع. وقرىء * (تقطع) * على بناء الجهول من التفعيل وعلى البناء للفاعل منه على أن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أي إلا أن تقطع أنت قلوبهم بالقتل، وقرىء على البناء للمفعول من الثلاثي مذكرا ومؤنثا.
وقرأ الحسن * (إلى أن تقطع) * على الخطاب، وفي قراءة عبد الله * (ولو قطعت قلوبهم) * على إسناد الفعل مجهولا إلى قلوبهم. وعن طلحة ولو قطعت قلوبهم على خطاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويصح أن يعني بالخطاب كل مخاطب، وكذا يصح أن يجعل ضمير تقطع مع نصب قلوبهم للريبة * (والله عليم) * بجميع الأشياء التي من جملتها ما ذكر من أحوالهم * (حكيم) * في جميع أفعاله التي من جملتها أمره سبحانه الوارد في حقهم.
هذا ومن باب الإشارة في الآيات: * (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين) * (التوبة: 75) إشارة إلى وصف المغرورين الذين ما ذاقوا طعم المحبة ولا هب عليهم نسيم العرفان، ومن هنا صححوا لأنفسهم أفعالا فقالوا: لنصدقن * (فلما آتاهم من فضله بخلوا به) * (التوبة: 76) أي أنهم نقضوا العهد لما ظهر لهم ما سألوه، والبخال كما قال أبو حفص: ترك الايثار عند الحاجة إليه * (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم) * وهو ما لا يعلمونه من أنفسهم * (ونجواهم) * (التوبة: 78) أي ما يعلمونه منها دون الناس، وقيل: السر ما لا يطلع عليه إلا عالم الأسرار والنجوى ما يطلع عليه الحفظة * (وقالوا لا تنفروا في الحرقل نار جهنم أشد حرا) * (التوبة: 81) أرادوا التثبيط على المؤمنين ببيان بعض شدائد الغزو وما دروا أن المحب يستعذب المر في طلب وصال محبوبه ويرى الحزن سهلا والشدائد لذائذ في ذلك، ولا خير فيمن عاقه الحر والبرد، ورد عليهم بأنهم آثروا بمخالفتهم النار التي هي أشد حرا ويشبه هؤلاء المنافقين في هذا التثبيط أهل البطالة الذين يثبطون السالكين عن السلوك ببيان شدائد السلوك وفوات اللذائذ الدنيوية * (لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم) * فأفنوا كل ذلك في طلب مولاهم جل جلاله * (وأولئك لهم الخيرات) * المشاهدات والمكاشفات والقربات * (وأولئك هم المفلحون) * (التوبة: 88) الفائزون بالبغية.
* (ليس على الضعفاء) * أي الذين أضعفهم حمل المحمبة * (ولا على المرضى) * بداء الصبابة حتى ذابت أجسامهم
(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»