تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ٢٦
فيه بصفاء الوقت وطيب الحال وذوق الوجدان بخلاف ما إذا كان مبنيا على ضد ذلك فإنها تتأثر فيه بالكدورة والتفرقة والقبض.
وأصل ذلك أن عالم الملك تحت قهر عالم الملكوت وتسخيره فيلزم أن يكون لنيات النفوس وهيأتها تأثير فيما تباشره من الأعمال، ألا ترى الكعبة كيف شرفت وعظمت وجعلت محلا للتبرك لما أنها كانت مبنية بيد خليل الله تعالى عليه الصلاة والسلام بنية صادقة ونفس شريفة، ونحن نجد أيضا أثر الصفاء والجمعية في بعض المواضع والبقاع وضد ذلك في بعضها، ولست أعني إلا وجود ذوي النفوس الحساسة الصافية لذلك وإلا فالنفوس الخبيثة تجد الأمر على عكس ما تجده أرباب تلك النفوس، والصفراوي يجد السكر مرا، والجعل يستخبث رائحة الورد: ومن هنا كان المنافق في المسجد كالسمك في اليبس والمخلص فيه كالسمكة في الماء * (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) * أي أهل إرادة وسعى في التطهر عن الذنوب، وهو إشارة إلى أن صحبة الصالحين لها أثر عظيم، ويتحصل من هذا وما قبله الإشارة إلى أنه ينبغي رعاية المكان والإخوان في حصول الجمعية، وجاء عن القوم أنه يجب مراعاة ذلك مع مراعاة الزمان في حصول ما ذكر * (والله يحب المطهرين) * (التوبة: 108) ولو محبته إياهم لما أحبوا ذلك. وعن سهل الطهارة على ثلاثة أوجه: طهارة العلم من الجهل، وطهارة الذكر من النسيان، وطهارة الطاعة من المعصية. وقال بعضهم: الطهارة على أقسام كثيرة: فطهارة الاسرار من الخطرات، وطهارة الأرواح من الغفلات، وطهارة القلوب من الشهوات وطهارة العقول من الجهالات، وطهارة النفوس من الكفريات، وطهارة الأبدان من الزلات. وقال آخر: الطهارة الكامل طهارة الاسرار من دنس الأغيار والله تعالى هو الهادي إلى سواء السبيل.
* (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يق‍اتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرءان ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذالك هو الفوز العظيم) * إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) * الخ ترغيب للمؤمنين في الجهاد ببيان حال المتخلفين عنه، ولا ترى كما نقل الشهاب ترغيبا في الجهاد أحسن ولا أبلغ مما في هذه الآية لأنه أبرز في صورة عقد عاقده رب العزة جل جلاله، وثمنه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولم يجعل المعقود عليه كونهم مقتولين فقط بل كونهم قاتلين أيضا لإعلاء كلمة الله تعالى ونصرة دينه سبحانه، وجعله مسجلا في الكتب السماوية وناهيك به من صك، وجعل وعده حقا ولا أحد أو في من وراعده فنسيئته أقوى من نقد غيره، وأشار إلى ما فيه من الربح والفوز العظيم وهو استعارة تمثيلية.
صور جهاد المؤمنين وبذل أموالهم وأنفسهم فيه وائابة الله تعالى لهم على ذلك الجنة بالبيع والشراء، وأتي بقوله سبحانه: * (يقاتلون) * الخ بيانا لمكان التسليم وهو المعركة، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: " الجنة تحت ظلال السيوف " ثم أمضاه جل شأنه بقوله ذلك الفوز العظيم، ومن هنا أعظم الصحابة رضي الله تعالى عنهم أمر هذه الآية. فقد أخرج ابن أبي حاتم. وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد * (إن الله اشترى) * الخ فكثر الناس في المسجد فأقبل رجل من الأنصار ثانيا طرفي ردائه على عاتقه فقال: يا رسول الله أنزلت هذه الآية؟ قال: نعم. فقال الأنصاري: بيع ربيح لا نقيل ولا نستقيل. ومن الناس من قرر وجه المبالغة بأنه سبحانه عبر عن قبوله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم التي بذلوها في سبيله تعالى وإثباته إياهم بمقابلتها الجنة بالشراء على طريقة الاستعارة التبعية ثم جعل
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»