تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ٢٥
بحرارة الفكر وشدائد الرياضة * (ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون) * وهم المتجردون من الأكوان * (حرج) * اثم في التخلف عن الجهاد الأصغر * (إذا نصحوا لله ورسوله) * (التوبة: 92) بأن أرشدوا الخلق إلى الحق * (ومن الاعراب من يتخذ ما ينفق مغرما) * (التوبة: 98) غرامة وخسرانا، قيل: كل من يرى الملك لنفسه يكون ما ينفق غرامة عنده وكل من يرى الأشياء لله تعالى وهي عارية عنده يكون ما ينفق غنما عنده * (والسابقون الأولون) * أي الذين سبقوا إلى الوحدة من أهل الصنف الأول * (من المهاجرين) * وهم الذين هجروا مواطن النفس * (والأنصار) * وهم الذين نصروا القلب بالعلوم الحقيقية على النفس * (والذين اتبعوهم) * في الاتصاف بصفات الحق * (بأحسان) * أي بمشاهدة من مشاهدات الجمال والجلال * (رضي الله تعالى عنهم) * بما أعطاهم من عنايته وتوفيقه * (ورضوا عنه) * بقبول ما أمر به سبحانه وبدل أموالهم ومهجهم في سبيل عز شأنه * (وأعد لهم جنات) * من جناب الأفعال والصفات * (تجري من تحتها الأنهار) * (التوبة: 100) وهي أنهار علوم التوكل والرضا ونحوهما ووراء هذه الجنات المشتركة بين المتعاطفات جنة الذات وهي مختصة بالسابقين * (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) * وهم الذين لم ترسخ فيهم ملكة الذنب وبقي منهم فيهم نور الاستعداد ولهذا لانت شكيمتهم واعترفوا بذنوبهم ورأوا قبحها وأما من رسخت فيه ملكة الذنب واستولت عليه الظلمة فلا يرى ما يفعل من القبائح إلا حسنا * (خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) * حيث كانوا في رتبة النفس اللوامة التي لم يصر اتصالها بالقلب وتنورها بنوره ملكة لها ولهذا تنقاد له تارة وتعمل أعمالا صالحة وذلك إذا استولى القلب عليها وتنفر عنه أخرى وتفعل أفعالا سيئة إذا احتجبت عنه بظلمتها وهي دائما بين هذا وذاك حتى يقوى اتصالها بالقلب ويصير ذلك ملكة لها وحينئذ يصلح أمرها وتنجو من المخالفات، ولعل قوله سبحانه: * (عسى الله أن يتوب عليهم) * (التوبة: 102) إشارة إلى ذلك وقد تتراكم عليها الهيآت المظلمة فترجه القهقري ويزول استعدادها وتحجب عن أنوار القلب وتهوى إلى سجين الطبيعة فتهلك مع الهالكين، وترجح أحد الجانبين على الآخر يكون بالصحبة فإن أدركها التوفيق صحبت الصالحين فتحلت بأخلاقهم وعملت أعمالهم فكانت منهم، وإن لحقها الخذلان صحبت المفسدين واختلطت بهم فتدنست بخلالهم وفعلت أفاعيلهم فصارت من الخاسرين أعاذنا الله تعالى من ذلك، ولله در من قال:
عليك بأرباب الصدور فمن غدا * مضافا لأرباب الصدور تصدرا وإياك أن ترضى صحابة ناقص * فتنحط قدرا عن علاك وتحقرا فرفع أبو من ثم خفض مزمل * يبين قولي مغريا ومحذرا وقد يكون ترجح جانب الاتصال بأسباب أخر كما يشير إليه قوله سبحانه وتعالى: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) * لأن المال مادة الشهوات فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ من ذلك ليكون أول حالهم التجرد لتنكسر قوى النفس وتضعف أهواؤها وصفاتها فتتزكى من الهيآت المظلمة وتتطهر من خبث الذنوب ورجس دواعي الشيطان * (وصل عليهم) * بامداد الهمة وإفاضة أنوار الصحبة * (إن صلاتك سكن لهم) * (التوبة: 103) أي سبب لنزول السكينة فيهم، وفسروا السكينة بنور يستقر في القلب وبه يثبت على التوجه إلى الحق ويتخلص عن الطيش * (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه) * لأن النفس تتأثر
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»