تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٩
ولى هاربا إلى الشام وأرسل إلى المنافقين يحثهم على بناء مسجد كما ذكرنا آنفا عن الحبر فبنوه وبقوا منتظرين قدومه ليصلي فيه ويظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهدم كما مر ومات أبو عامر وحيدا بقنسرين وبقي ما أضمروه حسرة في قلوبهم.
* (من قبل) * متعلق بحارب أي حارب الله ورسوله عليه الصلاة والسلام قبل هذا الاتخاذ أو متعلق باتخذوا أي اتخذوه من قبل أن ينافقوا بالتخلف حيث كانوا بنوه قبل غزوة تبوك كما سمعت، والمراد المبالغة في الذم * (وليحلفن إن أردنا) * أي ما أردنا ببناء هذا المسجد * (إلا الحسنى) * أي إلا الخصلة الحسنى وهي الصلاة وذكر الله تعالى والتوسعة على المصلين؛ فالحسنى تأنيث الأحسن وهو في الأصل صفة الخصلة وقد وقع مفعولا به لأردنا، وجوز أن يكون قائما مقام مصدر محذوف أي الإرادة الحسنى * (والله يشهد إنهم لكاذبون) * فيما حلفوا عليه.
* (لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) * * (لا تقم) * أي للصلاة * (فيه) * أي في ذلك المسجد * (أبدا) * وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تفسير * (لا تقم) * بلا تصل على أن القيام مجاز عن الصلاة كما في قولهم: فلان يقوم الليل، وفي الحديث " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له " * (لمسجد أسس) * أي بنى أساسه * (على التقوى) * أي تقوى الله تعالى وطاعته، و * (على) * على ما يتبادر منها، ولا يخفى ما في جعل التقوى وهي - هي - أساسا من المبالغة، وقيل: إنها بمعنى مع، وقيل: للتعليل لاعتباره فيما تقدم من الاتخاذ، واللام اما للابتداء أو للقسم أي والله لمسجد. وعلى التقديرين فمسجد مبتدأ والجملة بعده صفته، وقوله تعالى: * (من أول يوم) * متعلق بأسس و * (من) * لابتداء الزمان على ما هو الظاهر، وفي ذلك دليل للكوفيين في أنها تكون للابتداء مطلقا ولا تتقيد بالمكان، وخالف في ذلك البصريون ومنعوا دخولها على الزمان وخصوه بمذ ومنذ وتأولوا الآية بأنها على حذف مضاف أي من تأسيس أول يوم. وتعقبه الزجاج وتبعه أبو البقاء بأن ذلك ضعيف لأن التأسيس المقدر ليس بمكان حتى تكون - من - لابتداء الغاية فيه. وأجيب بأن مرادهم من التأويل الفرار من كونها لابتداء الغاية في الزمان وقد حصل بذلك التقدير، وليس في كلامهم ما يدل على أنها لا تكون لابتداء الغاية إلا في المكان، وقال الرضى: لا أرى في الآية ونظائرها معنى الابتداء إذ المقصود منه أن يكون الفعل شيئا ممتدا كالسير والمشي ومجرور - من - منه الابتداء نحو سرت من البصرة أو يكون أصلا لشيء ممتد نحو خرجت من الدار إذ الخروج ليس ممتدا وليس التأسيس ممتدا ولا أصلا لممتد بل هما حدثان واقعان فيما بعد * (من) * وهذا معنى. في، ودمن) * في الظروف كثيرا ما تقع بمعنى في انتهى. وفي كون التأسيس ليس أصلا لممتد منع ظاهر. نعم ذهب إلى احتمال الظرفية العلامة الثاني وله وجه وحينئذ يبطل الاستدلال ولا يكون في الآية شاهد للكوفيين، والحق أن كثيرا من الآيات وكلام العرب يشهد لهم والتزام تأويل كل ذلك تكلف لا داعي إليه، وقوله تاعلى: * (أحق أن تقوم فيه) * خبر المبتدأ و * (أحق) * افعل تفضيل والمفضل عليه كل مسجد أو مسجد الضرار على الفرض والتقدير أو هو على زعمهم، وقيل: إنه بمعنى حقيق أي حقيق ذلك المسجد بأن تصلي فيه، واختلف في المراد منه. فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. والضحاك أنه مسجد قباء. وقد جاءت أخبار في فضل الصلاة فيه. فأخرج ابن أبي شيبة. والترمذي. والحاكم وصححه. وابن ماجه عن أسيد بن ظهير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»