تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٩١
* (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون) * * (إن الذين حقت عليهم) * الخ بيان لمنشأ اصرار الكفرة على ما هم عليه من الكفر والضلال إلى حيث لا ينتفعون بالإيمان أي إن الذين ثبتت عليهم * (كلمة ربك) * أي حكمه وقضاؤه المفسر عند الاشاعرة بإرادته تعالى الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال بأنهم يموتون على الكفر أو يخلدون في النار * (لا يؤمنون) * إذ لا يمكن أن ينتقض قضاؤه سبحانه وتتخلف إرادته جل جلاله.
* (ولو جآءتهم كل ءاية حتى يروا العذاب الاليم) * * (ولو جاءتهم كل ءاية) * واضحة المدلول مقبولة لدى العقول * (حتى يروا العذاب الأليم) * الاغراق ونحوه وحينئذ يقال لهم - الصيف ضيعت اللبن - وفسر الزمخشري الكلمة بقول الله تعالى الذي كتبه في اللوح وأخبر سبحانه به الملائكة أنهم يموتون كفارا وجعل تلك كتابة معلوم لا كتابة مقدر ومراد، ولا ضير في تفسير الكلمة بذلك إلا أن جعل الكتابة كتابة معلوم لا كتابة مقدر ومراد مبني على مذهب الاعتزال، والذي عليه أهل السنة أن أفعال العباد بأسرها معلومة له تعالى ومرادة ولا يكون إلا ما أراده سبحانه، وعلمه عز شأنه وإرادته متوافقان ولا تجوز المخالفة بينهما ولا يتعلق علمه سبحانه إلا بما عليه الشيء في نفسه ولا يريد إلا ما علم ولا يقدر إلا ما يريد ولا جبر هناك ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين، وفسره الملوى الكوراني في شرحه للمقدمات الأربع المذكورة في توضيح الأصول بأن العبد مجبور باختياره وفصله بما لا مزيد عليه، وبإثبات الاستعداد وانه غير مجعول تتضح الحجة البالغة وبسط الكلام في علم الكلام، وقد تقدم بعض ما ينفع في هذا المقام، وإن أردت ما يطمئن به الخاطر وتنشرح له الضمائر فعليك برسائل ذلك المولى في هذا الشأن فإنها واضحة المسالك في تحصيل الإيقان.
* (فلولا كانت قرية ءامنت فنفعهآ إيمانها إلا قوم يونس لمآ ءامنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحيواة الدنيا ومتعناهم إلى حين) * * (فلولا كانت) * كلام مستأنف لتقرير هلاكهم و * (لولا) * هنا تحضيضية فيها معنى التوبيخ كهلا ومثلها ما في قول الفرزدق: تعدون عقر النيب أفضل مجدكم * بني ضوطري لولا الكمى المقنعا ويشهد لذلك قراءة أبي. وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما * (فهلا) *، والتوبيخ على ما نقل عن السفاقسي على ترك الإيمان المذكور بعد؛ * (وكان) * كما اختاره بعض المحققين ناقصة، وقوله تعالى: * (قرية) * اسمها، وجملة قوله سبحانه: * (آمنت) * خبرها، وقوله جل شأنه: * (فنفعها إيمانها) * معطوف على الخبر، أي فهلا كانت قرية من القرى التي أهلكت هلاك الاستئصال آمنت قبل معاينة العذاب ولم تؤخر إيمانها إلى حين معاينته كما أخر فرعون إيمانه فنععها ذلك بأن يقبله الله تعالى منها ويكشف بسببه العذاب عنها، وذهب السمين وغيره إلى أنها تامة * (وقرية) * فاعلها وجملة * (آمنت) * صفة * (ونفعها) * معطوفة عليها. وتعقب بأنه يلزم حينئذ أن يكون التحضيض والتوبيخ على الوجود مع أنه ليس بمراد. وأجيب بأنه لا مانع من أن يكون التحضيض على الصفة وحينئذ لا غبار على ما قيل، وأيا ما كان فالمراد بالقرية أهلها مجازا شائعا والقرينة هنا أظهر من أن تخفى، وقوله تبارك وتعالى: * (إلا قوم يونس) * استثناء منقطع كما قال الزجاج. وسيبويه. والكسائي. وأكثر النحاة أي لكن قوم يونس * (لما ءامنوا) * عند ما رأوا أمارات العذاب ولم يؤخروا إلى حلوله * (كشفنا عنهم عذال الخزي) * أي الذل والهوان * (في الحياة الدنيا) * بعد ما أظلهم وكاد
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»