تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٨٥
تاب الله تعالى عليه واستغفار الملأ الأعلى ودعائهم لهم.
وقسم الطائفة الأخرى إلى قسمين قسم أخرجهم من النار بالشفاعة وهم طائفة من المؤمنين وأهل التوحيد ماتوا ولم تكفر عنهم خطاياهم، وقسم آخر أبقاهم في النار وهم المجرمون خاصة الذين يقال لهم يوم القيامة: * (وامتازوا اليوم أيها المجرمون) * (يس: 59) ولهم يقال: أهل النار لأنهم الذين يعمرونها، وهم على أربع طواثف كلهم في النار لا يخرجون منها. الطائفة الأولى المتكبرون على الله تعالى كفرعون وأشباهه ممن ادعى الربوبية لنفسه ونفاها عن الله تعالى فقال: * (ما علمت لكم من اله غيري) * (القصص: 38) وقال: * (أنا ربكم الأعلى) * (النازعات: 24) يريد به ما في السماء غيري وكذلك نمروذ وغيره.
والثانية المشركون وهم الذين أثبتوا الله تعالى إلا أنهم جعلوا معه آلهة أخرى وقالوا: * (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) * (الزمر: 3) والثالثة المعطلة وهم الذين نفوا إلا له جملة واحدة فلم يثبتوا للعالم الها أصلا. والرابعة المنافقون وهم الذين أظهروا الإيمان للقهر الذي حكم عليهم وهم في نفوسهم على ما هم عليه من اعتقاد إحدى هذه الطوائف الثلاث فهؤلاء الأصناف الأربعة هم أهل النار الذين لا يخرجون منها من الجن والانس انتهى. وهو صريح فيما قلنا إلا أنه ذهب في موضع آخر من الكتاب المذكور إلى خلافه فقال في الباب السابع والستين ومائة ما حاصله:
إن الله تعالى لما علم أنه قد طبع على كل قلب مظهر للجبروت والكبرياء وأن فرعون في نفسه أذل الاذلاء أمر موسى وهارون عليهما السلام أن يعاملاه بالرحمة واللين لمناسبة باطنه واستنزال ظاهره من جبروته وكبريائه فقال سبحانه: * (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) * (طه: 44) ولعل وعسى من الله تعالى واجبتان فتذكر بما يقابله من اللين والمسكنة ما هو عليه في باطنه ليكون الظاهر والباطن على السواء فما زالت تلك الخميرة معه تعمل في باطنه مع الترجي الإلهي الواجب فيه وقوع المترجى ويتقوى حكمها إلى حين انقطاع يأسه من أتباعه وحال الغرق بينه وبين اطماعه لجأ إلى ما كان مستترا في باطنه من الذلة والافتقار ليتحقق عند المؤمنين وقوع الرجاء الإلهي فقال: * (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) * (يونس: 90) فرفع الاشكال من الاشكال كما قالت السحرة لما آمنت: * (آمنا برب العالمين رب موسى وهارون) * (الأعراف: 121، 122) أي الذي يدعوان إليه فجاءت بذلك لدفع الارتياب ورفع الأشكال، وقوله: * (وأنا من المسلمين) * (يونس: 90) خطاب منه للحق تعالى لعلمه أنه سبحانه يسمعه ويراه فخاطبه الحق بلسان الغيب وسمعه آلآن أظهرت ما قد كنت تعلمه وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين لأتباعك، وما قال له * (وأنت من المفسدين) * فهي كلمة بشرى له عرفنا بها لنرجو رحمته مع إسرافنا وإجرامنا ثم قال سبحانه: * (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) * يعني لتكون النجاة لمن يأتي بعدك آية أي علامة إذا قال ما قلته تكون له النجاة مثل ما كانت لك، وما في الآية أن بأس الآخرة لا يرتفع وأن إيمانه لم يقبل وإنما فيها أن بأس الدنيا لا يرتفع عمن نزل به إذا آمن في حال نزوله الأقوم يونس عليه السلام فقوله سبحانه: * (فاليوم ننجيك ببدنك) * بمعنى أن العذاب لا يتعلق إلا بظاهرهك وقد أريت الخلق نجاته من العذاب فكان ابتداء الغرق عذابا فصار الموت فيه شهادة خالصة بريئة لم يتخللها معصية فقبض على أفضل عمل وهو التلفظ بالإيمان كل ذلك حتى لا يقنط أحد من رحمة الله تعالى والأعمال بخواتيمها فلم يزل الإيمان بالله تعالى يجول في باطنه وقد حال الطابع الإلهي الذاتي في الخلق بين الكبرياء واللطائف الإنسانية فلم يدخلها قط كبرياء، وأما قوله تعالى: * (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) * (غافر: 85) فكلام محقق في غاية الوضوح فإن النافع هو الله تعالى فما نفعهم إلا
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»